بقلم: عبد المنعم سعيد
لم تكن حرب أكتوبر هى وحدها التى بدأت بمفاجأة إستراتيجية، تحقق المبادأة وتكسب المعارك قبل أن يفيق الطرف الآخر من الواقعة. السلام أيضا بدأ بمفاجأة لم يكن لها سابقة فى التاريخ الإنساني. كانت الحرب قد أحرزت نتائجها الأولية فى تكلفة عالية للاحتلال، وأيضا حليفها الرئيسى الولايات المتحدة الذى وقع على عاتقه تعويض إسرائيل عن خسائرها. بات العالم على استعداد لقبول الجدية والقدرة من العرب، ليس فقط بالقتال واستخدام سلاح النفط، وإنما أكثر من ذلك ترويض العالم على أنه فيما يتعلق بالصراع العربى الإسرائيلى فإن الكلمة ليست لإسرائيل وحدها، وإنما للعرب أيضا. نصر أكتوبر وتوابعه من انكشاف إسرائيلي، وإمكانات وقدرات جرى الحديث عن استخدامها، ولم تكن هناك فرصة أخرى قدر حرب أكتوبر لكى تدفع الإمبراطورية الإسرائيلية إلى الخلف، وأكثر من ذلك تدفع ياسر عرفات لكى يقف على منصة الأمم المتحدة رافعا البندقية وغصن الزيتون.
ولكن العالم لا يتوقف عن التغير، مع منتصف العقد كان نيكسون قد ذهب، وبالكاد فإن كيسنجر الذى عقد اتفاقين للفصل بين القوات على الجبهتين المصرية والسورية، عقد بالكاد اتفاقية ثانية للفصل كانت كافية ليس لانسحاب إسرائيلى آخر، وإنما فتح قناة السويس أيضا. تعقد العالم وذهب رئيس أمريكى «فورد» وجاء آخر «كارتر»، وبدا الأمر آخذا فى الجمود، وعادت الدفاتر القديمة إلى الساحة ومنها فُتح باب السعى نحو عقد مؤتمر دولى يبدو سعيا نحو حل كل المشكلات، ولكنه من حيث الجوهر يعطى حق الفيتو لمن لا يريدون حلا سواء كان السوفيت، أو بين العرب الذين لا تزال أراضيهم محتلة حتى الآن. وكما كانت حرب أكتوبر مفاجأة لإسرائيل والولايات المتحدة، فإن رحلة الرئيس السادات إلى القدس كانت مفاجأة إستراتيجية أخرى لكليهما. لم تكن إسرائيل تحت قيادة بيجين أقل تعاسة مما هى عليه الآن؛ ولكنها كانت السياسة المصرية التى تغير البيئة التفاوضية لكى تنتزع انسحابا إسرائيليا ويقوم السلام.