بقلم - عبد المنعم سعيد
يوم ٥ يونيو لا يمكن تجاهله من الذاكرة المصرية، حيث جرت فيه الهزيمة من إسرائيل، وإنما كان فيه الانكشاف الأعظم: عزلتنا عن العالم وما يجرى فيه من تقدم بدأ مع الخروج إلى الفضاء، وربما قبل ذلك عندما ولدت الحرب العالمية الثانية روابط عالمية لا يستحسن الخروج عليها. العزلة بدأت تحت رايات قومية طغت فيها العروبة على المصرية، وعندما سرنا فى طريق التنمية كان النموذج الذى اتبعناه قادما من المعسكر الأقل تقدما. كانت هناك مقاومة كبرى للعولمة، باعتبارها عنوانا للطغيان على الهوية العربية والإسلامية. والعجيب أن العولمة من خلال ثورتها الاتصالية فى النقل والمواصلات نقلت ملايين المسلمين إلى مكة وأعادتهم مرة أخرى أكثر اتصالا بشرع الله وأداء لشعائره والتصاقا بباقى المسلمين، ومن أول المطبعة حتى خدمة الإنترنت، غير الشرائط والأقراص الإلكترونية ، فإن القدرة على طبع وتوزيع كتب التراث والتفاسير والفتاوى باتت متاحة لكل شخص وليس فقط لنخبة من المتخصصين والعلماء الذين كان عليهم نسخها فى نسخ قليلة.
الأمر ذاته ينطبق على ما يسمى «ذاكرة الأمة» التى تعد واحدة من أهم أبعاد الهوية، فلا توجد ذات متميزة دون تاريخ خاص وفريد وفى كثير من الأحيان مجيد أيضا. فاكتشاف هذه الذاكرة من خلال الحفريات والكتب القديمة، كان المقدمة الطبيعية لتكوين الهويات من كثير من التفاصيل التاريخية التى تنسج حضارة بعينها، وهنا فإن العولمة قدمت من خلال عمليات الاستشعار عن بعد ، وتكنولوجيات معرفة التربة ، وكيمياء الحفاظ على المخطوطات القديمة، وإعادة إنتاجها بوسائل معاصرة وسريعة التوزيع والانتشار، قدرات هائلة لاكتشاف الذاكرة التاريخية للأمة والحفاظ عليها من الاندثار. حرب أكتوبر ١٩٧٣ التى جرى فيها استرداد الشرف المصرى والعربى لم تكن فقط لتحرير الأرض وتحقيق السلام الضرورى للتنمية، وإنما أيضا لاستكشاف العالم والمكانة فيه. الحروب الآن فى المنطقة تريد استعادتها إلى القمقم الذى عشنا فيه من قبل.