لكل أمر وظيفة، وأحيانًا تكون عدة وظائف، والجسد الإنسانى تجسيد لتكامل الوظائف التي جعلت للإنسان أهم وظائف العمران في الأرض، وقول الكلام بالحكمة. والانتخابات العامة ليست استثناء من هذه القاعدة، فهى ليست فقط لاختيار الأصلح، وإنما أكثر من ذلك للاختيار بين السياسات المستقبلية. ولا تكون الوظائف في مكانها إلا عندما يكتمل التوازن الجسدى والعاطفى؛ والنضج العقلى بامتلاك المعرفة.
لفت نظرى في العملية الانتخابية الرئاسية المصرية، التي على وشك الانتقال من المرحلة التمهيدية غير المنظمة إلى مراحلها المقننة بالدستور والقوانين المرعية؛ أن هناك مَن يريدونها قائمة على الشك في كل شىء من النظام القانونى إلى النظام الدستورى، ولا يكون هناك حكم في ذلك إلا الشخص الذي يرسل رسائل من نوعية أن تكون الانتخابات «نقطة بدء جديدة على أسس الحداثة واللحاق بركب الشعوب والأمم القوية المتحضرة».
هنا يكون السؤال الأول من الأسئلة الكبرى هو: هل نريد فعلًا ناخبين ومنتخبين أن نسير على ركب الولايات المتحدة على سبيل المثال، حيث السيد دونالد ترامب، الرئيس السابق، المرشح الحالى، يتهم النظام القضائى الأمريكى بأنه «مُسيَّس»؛ وأن النظام الانتخابى «مزور»؛ وأن النظام السياسى كله بقضه وقضيضه يعمل لصالح الحزب الديمقراطى، مستثنيًا الأمة الأمريكية كلها من العدالة، ما الذي نريد أن نتعلمه هنا من قادة يريدون الفوز بمقعد الرئاسة.
بينما لا يوجد لديهم إلا التشكيك في سلامة القصد والنية في كافة الأجهزة المعنية التي يرغبون في الفوز بإدارتها؟. ما نسمعه من مرشحينا لا يختلف كثيرًا عما يقوم به السيد ترامب؛ فهناك الغمز واللمز والكلام الصريح حول النظام العام، الذي يودون قيادته بعد ذلك لتحقيق أهداف البلاد السامية.
السؤال الثانى لا يكفى فيه التناقض ما بين التأكيد على احترام الدستور والقانون باعتباره الملاذ الأمين لبناء الدولة؛ والإنكار التام بعد ذلك لكل ما جرى من بناء خلال السنوات العشر الماضية. وصف ما جرى في البلاد الدائم بأنه خواء لم تكن له فائدة يجعلنا أمة فقدت قدرتها على التعلم من تجاربها التي أكثرها قربًا ما جرى خلال «الربيع»، الذي انتهى بلا زهرة ولا نسمة، واقعًا في أحضان الإخوان المسلمين، وعاجزًا عن إدارة الدولة، وساعيًا إلى فقدانها هويتها المدنية.
سقوط الإرهاب والكورونا والحرب الأوكرانية من الحسابات السياسية للمرشحين الجدد يُشكِّك في قدرتهم على القيادة والحكم؛ وضعف أعصابهم عند مواجهة مواقف وتحديات ضخمة سوف تأتى لمَن سوف يكون عليه إدارة مصر أراد ذلك أم أبى.
العالم الذي يحيط بنا ليس حديقة غَنّاء بين بشر يحيطون بعضهم بالحب والعشق، وإنما هو ساحة من المنافسة القاسية التي دفعت أثمانها شعوب وأمم. المرشح الذي لا يعرف الفارق ما بين الاتفاقيات والمعاهدات الدولية في ناحية وإعلان المبادئ في ناحية أخرى هو إما يسعى إلى تقديم هدايا لخصوم الدولة، أو أنه يبلع دون فهم الدعاية الإخوانية، التي لم تكف أبدًا عن استخدام ذات الأسلحة الرخيصة ضد الدولة المصرية.
السؤال الثالث هو: ماذا يريد المرشح ومؤيدوه لمصر؟. ورغم بساطة هذا السؤال، فإنه من أصعب الأسئلة لأن الإجابة تحتاج الكثير من التعلم من تجارب مصر. في وقت من الأوقات كانت الإجابة هي أن التخلص من الاحتلال الإنجليزى سوف يجعل مصر في مقدمة العالم؛ وفى أوقات أخرى كانت مواجهة إسرائيل والتخلص من احتلالها هي الأخرى.
وفى أوقات ثالثة كانت توزيع الفقر على المصريين، فتكون العدالة هي الموئل الحامى؛ وفى أوقات ثالثة كان التخلص من نظام وكفى؛ وما سوف يأتى بعد ذلك سوف يكون محض تفاصيل يأتى بها خبراء ومستشارون لن نعرف أبدًا مَن هم، وما رأى الخبراء والمستشارين الآخرين فيهم، وماذا يحدث عندما يتحارب المستشارون والخبراء أمام صانع القرار؟.
ببساطة ما الذي يريده المرشح، وما الذي عليه أن يدفعه ثمنًا لما يريد؟. هل اطّلع صاحبنا على تجارب الدول الأخرى في فيتنام والصين وكوريا والهند وما دُفع فيها من آلام؟، وهل هو على استعداد لمصارحة الشعب بأن بناء الأمم العظيمة ليس نزهة، وإنما هو طريق شاق للبناء، وشاق آخر للمحافظة على البناء وصيانته، وشاق ثالث لحمايته من منافسيه والمعتدين على حقوقه؟.
اختصار المسألة بأنها زوال نظام، وبعدها تنطلق كافة حريات الكلام لكى تستقر على الحلول السحرية في مسارها الأمين، هو متاجرة بشعب آن الأوان لأخذه بالجدية التي يستحقها، فهو الذي شق قناة جديدة، وحفر الأنفاق تحتها، وأقام محور التنمية حولها، وامتد من النيل إلى بحار الله الواسعة.