بقلم - عبد المنعم سعيد
تحت هذا العنوان صدر لى كتاب عن وزارة الثقافة عام ٢٠٠٤ وضعت فيه الكثير مما سبق لى من «حديث التقدم» شروطه ومقدماته وإمكاناته. دار الزمان دورته وذاع حديث عن الفكرة ثم جاءت الثورات، وأصبح الموضوع غير قريب من العقل المصري، وأصبح السؤال المطروح فى شكل استنكارى هل يمكن تحقيق التقدم فى مصر؟ والإجابة هى نعم، فلماذا تكون مصر مختلفة عن أكثر من مائة دولة انتقلت بالفعل من التخلف والفقر إلى الغنى والتقدم. وللحقيقة فإن التقدم التكنولوجى يعمل لمصلحة الدول المتأخرة ويظهر فى تراجع الفقر والجهل والمرض، ولم يحدث ذلك فى الصين والهند وحدهما حيث خرج أكثر من مليار نسمة من دائرة الفقر والجهل والتخلف فى العموم إلى دائرة التقدم، ولكن ذلك حادث باتساع الكون بأسره فى دول مثل منغوليا ورواندا وبنجلاديش والبرازيل والمغرب.
والحقيقة أن مصر لديها من الفرص ما لا يقل عن كل هؤلاء لما أعطاها التاريخ والجغرافيا من تراكم حضاري، وموقع متميز، ولأن ثرواتها الكبرى لم تستغل بعد. فإذا كان الجيل الأول من الدول المتقدمة (دول غرب أوروبا وشمال أمريكا) قد اعتمد على «الكشوف الجغرافية» لكى تستغل وتستعمر وتوفر تراكما رأسماليا يكفى لتحقيق التقدم، فإن مصر لا تحتاج لأى من ذلك لأنها لا تستغل أكثر من ١٤٪ من مساحتها، فمصر لا تزال بكرا من الناحية الاقتصادية. وبينما العالم الأول قد ذهب لاستكشاف الفضاء الخارجى باحثا عن ملامح الحياة فى كواكب «قريبة»، فإن مصر لا تزال تستكشف تاريخها، الذى يظهر أن ما نعرفه عن مصر أقل بكثير مما لا نعرفه. ولحسن الحظ أن الزمن حقق بعضا من التقدم فى هذا الاستكشاف، وفى الوقت الراهن فإن سواحل البحرين الأحمر والأبيض وسيناء باتت معروفة للمصريين أكثر من أى وقت مضي، والصحراء الغربية الشاسعة بواحاتها لم تعد ذلك المحيط المجهول الذى يخاف المصريون من الولوج إليه خشية وخوفا.