الإصلاح الإقليمي

الإصلاح الإقليمي؟!

الإصلاح الإقليمي؟!

 عمان اليوم -

الإصلاح الإقليمي

بقلم: عبد المنعم سعيد

ذكرنا في مواضع شتى في هذا المقام أن ما عُرف بالربيع العربي في مطلع العقد الماضي أحدث زلزالاً كبيراً في منطقتنا العربية والشرق الأوسط بشكل عام، وشكل خللاً شاملاً في توازنات القوى أدى إلى زيادة جرعة الأطماع الإقليمية والدولية في المنطقة والتي تبدت أحياناً في الاحتلال المباشر أو إقامة المستوطنات أو الاعتداءات المتعددة على السيادات الوطنية للدول، أو بتشكيل ميليشيات عسكرية تضع نفسها بديلاً للدولة. وعلى مدى سنوات العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين عاش العالم العربي بين ثلاثة توجهات تتراوح ما بين الفوضى المطلقة التي تناطحت فيها تيارات مذهبية وإثنية وعشائرية في اتجاهات إرهابية وحروب أهلية؛ وهيمنة تيارات دينية بعينها وصلت إلى كراسي الحكم في بلاد، وخلقت «داعش» في منطقة على الحدود السورية - العراقية؛ وتوجه إصلاحي انتشر في الدول الملكية التي نجت من جلجلة «الربيع» المزعوم، ولم يلبث أن تبنته دول عربية مهمة مثل مصر. هذا التوجه قائم على أعمدة الدولة الوطنية، والتحديث الشامل لإقليم الدولة سواء من خلال بنية أساسية قوية توطد التفاعلات بين أركان الوطن الواحد ببناء قواعد إنتاجية جديدة أو تجديد الفكر الديني حتى يتلازم مع العصر والتقدم.

وهكذا أصبح واقع الشرق الأوسط يتجسد في أمرين: الأول، أن الإقليم مقسم بين الإصلاحيين الذين يريدون السلام والاستقرار اللذين هما شرطان للتنمية، وهؤلاء الذين يعارضون السلام والاستقرار بسبب التاريخ أو الدين أو عدم الرغبة أو وجود المصلحة في التنمية. والثاني، أن هناك حرباً صريحة أو ضمنية تجري بين الطرفين اللذين بات عليهما التعامل مع العالم من منطلقات مختلفة. حروب غزة الخمس بما فيها الحرب الجارية الآن، والحروب المشابهة التي شاركت فيها الميليشيات المسلحة، جميعها جعلت العمل الأساسي الواجب في الشرق الأوسط يقوم على تشجيع الدول على أن تصل إلى السلام والاستقرار اعتماداً على نفسها مع حرمان القوى الراديكالية من إفساد هذا الجهد. مثل ذلك هو عمل من أعمال القوة الساعية لتحقيق الأمن الإقليمي بحيث تشجع، وتغري، وتضغط، وتواجه إذا كان ذلك ضرورياً، القوى المتعددة لعدم الاستقرار في المنطقة. ومن أمثلة هذه المنظومة قيام القوات المسلحة لدول التعاون الخليجي بقيادة المملكة العربية السعودية بوضع نهاية لحدوث الفوضى في البحرين عام 2011. وجاء مثال آخر عندما قامت السعودية ودولة الإمارات العربية والكويت والبحرين، بالإضافة إلى الأردن، بمساعدة مصر في المرحلة التي تلت ثورة 30 يونيو (حزيران) 2013. كذلك عملت مصر والسعودية والإمارات على حل أزمة غزة في يوليو (تموز) 2014، ومصر وقطر للتعامل مع نتائج حرب عام 2021. إن ما يحتاجه الشرق الأوسط الآن هو منظومة من القوى لا تأخذها أفكار براقة ولامعة، وإنما رؤية واقعية، وتفهم أن إقليماً فاشلاً ومفككاً سوف يكون أكثر تعقيداً من أي وقت مضى، وأكثر من ذلك خطراً على الدول التي أخذت طريق الإصلاح بكل ما يعنيه ذلك من ثمن.

«إصلاح الإقليم» هو عملية مكملة لإصلاح الدولة؛ لأنه من ناحية يقيها شر التفجيرات المتتالية الداخلية التي تأتي من دعاوى قائمة على المزايدة الدينية والتي تجعل من «القضية الفلسطينية» أساساً لتشكيل تنظيمات تجعل الأمن الإقليمي أداة طيعة لبعد واحد من أبعاد الأمن القومي العربي. ومن ناحية أخرى، فإنه يشكل فرصة لدعم التيار الإصلاحي في تجمع من الدول من حيث إنه أولاً يخلق لغة مشتركة تقدر المصالح القومية وتضع بناء الدولة وبقاءها في مقدمة هذه المصالح؛ وثانياً أنه يخلق سوقاً للأفكار والتنمية المعتمدة على العلم والمعاصرة جنباً إلى جنب مع سوق اقتصادية واعدة؛ وثالثاً يقيم أسساً للعلاقات مع تكتلات دولية مماثلة. وهنا إذا كان الاتحاد الأوروبي مثّل تجربة كبيرة من التعاون الوظيفي في سوق كبيرة ومؤسسات تتجه ليس فقط نحو التكامل وإنما الاندماج؛ فإن تجربة «آسيان» في جنوب شرقي آسيا تمثل نموذجاً مختلفاً نجح في تحييد الصراعات والتوترات التاريخية والتيارات الراديكالية مع تعاون مشترك في كل ما له علاقة بارتقاء الإنسان في هذه الدول. الحوار الذي جرى أخيراً بين دول مجلس التعاون الخليجي ومنظمة «آسيان» ربما يوفر خبرة غير قليلة لتجربة مماثلة في الإقليم العربي.

الهدف الذي نرنو إليه من كل ما سبق، وفي ظلال الأزمة الفلسطينية الراهنة، هو أنه آن الأوان لتشكيل تجمع عربي للدول التي تضع السلام والاستقرار والتنمية الاقتصادية وبناء القوة الصلبة والناعمة على رأس أولوياتها. في هذا التجمع توجد درجة من التناغم في وجهات النظر المشتركة إزاء التناقضات الإقليمية وكيفية التعامل معها، فضلاً عن أنها جميعاً مندرجة في عمليات إصلاحية عميقة تتناسب مع التطور والنضج السياسي المتاح. هذا التجمع سوف يكون لديه كلمة مسموعة في المحافل العالمية، وهو الذي يستطيع أن يقدم مصالح الشعب الفلسطيني من خلال دعم وتأييد «منظمة التحرير» الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. مشروعات التعاون الاقتصادي مثل منتدى شرق البحر المتوسط الذي يجمع كلاً من فلسطين وإسرائيل في مصالح الغاز المشتركة، يمكن أن يمتد إلى شمال البحر الأحمر منطقة للرخاء المشترك حيث تلتقي أهداف التنمية والمعاصرة المصرية والسعودية حول خليج العقبة. هذا التصور وتصورات أخرى مماثلة تفتح أبواباً اقتصادية وسياسية مغرية للتعاون بحيث تحيد توجهات الصدام والمواجهة النابعة من أصول آيديولوجية وتاريخية تنحو دورياً إلى الصراع والحرب. فكما هو الحال في الإصلاح الداخلي حيث تقوم الهوية المشتركة للشعب بالدفع في اتجاه الإصلاح والتباعد مع الراديكالية؛ فإن الهوية المشتركة للإقليم لا تنبع من خلال تاريخ وقيم، وربما من دين أو مذهب بالضرورة، وإنما من المنافع المشتركة التي فرضها الجوار الإقليمي.

 

omantoday

GMT 17:25 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قرن البولندي العظيم (حلقة 2): اكتئاب ومشاكل

GMT 17:24 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة هوكستين... وعودة الدولة

GMT 17:23 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

عيد عُمان... ومعنى الأعياد الوطنية

GMT 17:21 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان... في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 17:20 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة مُغَيّبة والتدوير باقِ!

GMT 17:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

السّمات الدولية لسياسة ترمب

GMT 17:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قمة الرياض: أمن الإقليم مرتكزه حل الدولتين

GMT 17:14 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

السودان أمام المجهول

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإصلاح الإقليمي الإصلاح الإقليمي



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 16:46 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29
 عمان اليوم - غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29

GMT 20:07 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مُبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 10:16 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

حاذر ارتكاب الأخطاء والوقوع ضحيّة بعض المغرضين

GMT 23:59 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

احذر التدخل في شؤون الآخرين
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab