ستة وأربعون رئيسًا

ستة وأربعون رئيسًا

ستة وأربعون رئيسًا

 عمان اليوم -

ستة وأربعون رئيسًا

بقلم: عبد المنعم سعيد

عرفت الولايات المتحدة الأمريكية ٤٦ رئيسا منذ إعلان استقلالها فى ٤ يوليو ١٧٧٦، وخلاصها من الاستعمار البريطانى فى ١٧٨٣ وانتهائها من التجربة الكونفدرالية (١٧٨١- ١٧٨٧) ووضع الدستور الفيدرالى الأمريكى (١٧٨٧) وبدء تطبيقه (١٧٨٩) مع انتخاب الرئيس الأول جورج واشنطن (١٧٨٩- ١٧٩٧). كان الرجل «المؤسس» استثنائيا فى قدراته فى التعامل مع التناقضات داخل الثورة الأمريكية، والإقليم الأمريكى، وما ساد فيه من خلافات سياسية وفكرية تأثرت بأفكار النهضة الأوروبية وما كان فيها من «تنوير» و«محافظة». ما بين الرئيس الأول والرئيس ٤٦ جوزيف بايدن كانت هناك مسافات كبيرة فى التفكير والعصر والزمن.

الحزمة الأولى من الرؤساء الأمريكيين كانوا جميعا من أبناء الثورة: جون آدامز (١٧٩٧- ١٨٠١)، توماس جيفريسون (١٨٠١-١٨٠٩) وجيمس ماديسون (١٨٠٩-١٨١٧) وجيمس مونرو (١٨١٧- ١٨٢٥). الملاحظ هنا أن الرؤساء الستة، ما عدا جون آدامز قد حصلوا على فترتين رئاسيتين نتيجة السُنة التى سنها الرئيس الأول واستمرت حتى جرى كسرها مرة واحدة فى عهد فرانكلين روزفلت (١٩٣٣-١٩٤٥) نظرا لظروف الحرب العالمية الثانية، وجرى تثبيتها فى التعديل الدستورى ٢٢ (١٩٥١).

الحزمة الثانية بدأت مع ابن رئيس سابق هو جون كوينسى آدامز (١٨٢٥-١٨٢٩)، والذى، رغم اعتقاده فى ضرورة إلغاء العبودية Abolition، فإنه فتح الباب لطريق واسع من التوسع الأمريكى من خلال شراء الأرض من مستعمرين آخرين مثل فرنسا، أو الحرب مع المكسيك وإسبانيا. وتصدر هذه الحزمة آندرو جاكسون ( ١٨٢٩ - ١٨٣٧) الذى أسس الحزب الديمقراطى ونظرته كانت تعزيز بناء الدولة واتساعها. مثل ذلك جعل قضية العبودية والتعامل مع الأمريكيين من غير الأصول الأوروبية قضية جوهرية، ودخلت الجمهورية إلى مرحلة من الرئاسات الضعيفة التى استمر كل منها فترة رئاسية واحدة: مارتن فان بورين (١٨٣٧-١٨٤١)، ووليام هارفى هاريسون (١٨٤١) الذى توفى بعد ٣٢ يوما من ولايته، وجوناثان تايلور (١٨٤١-١٨٤٥)، وجيمس بولك (١٨٤٥- ١٨٤٩) وزاكراى تيلور (١٨٤٩-١٨٥٠)، وميلارد فيلمور (١٨٥٠- ١٨٥٣)، وفرانكلين بيرس (١٨٥٣- ١٨٥٧)، وجيمس بوكانان (١٨٧٥- ١٨٦١). هذه الحزمة باشرت حالة كبيرة من الاستقطاب السياسى الحاد حول قضية العبودية، وحول التقدم الصناعى فى الشمال، بينما استخدام التأخر الزراعى فى الجنوب، وبينهما كان التطور التكنولوجى مجسدا فى عصر البريد السريع نسبيا والتليغراف والسكك الحديدية والتطور فى التسليح العسكرى.

الحزمة الثالثة جاءت لكى تحل هذه التناقضات جميعها، وإلا فإن الاتحاد الأمريكى بات معرضا لخطر التحلل من خلال انفصال الجنوب، وهو ما رفضه الرئيس أبراهام لينكولن (١٨٦١- ١٨٦٥) الذى خاض الحرب الأهلية، وفيها قام بعتق العبيد، وأضاف ثلاثة تعديلات دستورية (١٣، و١٤، و١٥) تتعلق بالحقوق السياسية للعبيد واعتبارهم مواطنين، وأسس الحزب الجمهورى، ومع انتهاء الحرب جرى اغتياله. الحزمة بعد ذلك بدأت فى مرحلة جديدة من «إعادة البناء» للجنوب بعد الحرب وبدأها أندرو جونسون (١٨٦٥-١٨٦٩)، نائب الرئيس، ومن بعده بطل الحرب العسكرى يوليسيس جرانت (١٨٦٩ - ١٨٧٧).

الحزمة الرابعة من الرؤساء الأمريكيين قامت على مأسسة كل ما سبق فى أطر قانونية وعملية مع ما يمثله كل ذلك من اضطراب ظهر فى عدم استقرار الرئاسات إلا لفترة واحدة، فجاء رذرفورد هايز (١٨٧٧-١٨٨١) وجيمس جارفيلد (١٨٨١) الذى اغتيل وبعده جاء تشستر آرثر (١٨٨١-١٨٨٥) وجروفر كليفلاند (١٨٨٥-١٨٨٩) وبنجامين هاريسون (١٨٨٩-١٨٩٣) وعاد كليفلاند مرة أخرى (١٨٩٣- ١٨٩٧) وأعقبه ويليام ماكينزى (١٨٩٧- ١٩٠١). وكأن الولايات المتحدة باتت فى حاجة إلى استقرار، فجاء مع ثيودور روزفلت (١٩٠١- ١٩٠٩) وأعقبه وليام تافت (١٩٠٩-١٩١٣) وباتت الولايات المتحدة على أبواب الحرب العالمية الأولى. قبلها عرفت الدولة الأمريكية تكثيف علاقاتها الدولية من خلال السلام وشراء الأراضى فحازت «ألاسكا»، عبر الأراضى الكندية، بشراء من روسيا، وخاضت حربا مع إسبانيا لاستعمار الفلبين، بينما كانت تترك عزلتها وتدخل إلى صميم السياسة العالمية خلال إدارة وودرو ويلسون (١٩١٣-١٩٢١) الذى سعى إلى عصبة الأمم، وأطلق عنان إعلان استقلال الدول المستعمرة. وكأن الولايات المتحدة لم تكن مستعدة بعد للقيادة العالمية فأخفقت مبادرات ويلسون وتلاه نوع من العزلة التى بدأت حزمة خامسة من رؤساء الفترة الواحدة فكان وارن هاردنج (١٩٢١-١٩٢٣) وكالفين كوليدج (١٩٢٣-١٩٢٩) حتى جاء من أخذ الدولة إلى الكساد العظيم «هربرت هوفر» (١٩٢٩- ١٩٣٣). وفى أعقابه جاءت قيادة «فرانكلين روزفلت» الذى كان أول وآخر من حكم لثلاث فترات متتالية (١٩٣٣- ١٩٤٥) انتهى فيها، وفى العالم، الكساد، ونشبت الحرب العالمية الثانية وخرجت منها الدولة لكى تقود العالم داخليا من خلال قدرات اقتصادية وعسكرية جبارة، وخارجيا العمل على تنظيمه من خلال منظومته القائمة على الأمم المتحدة، وتوازن القوى مع القوة العظمى الأخرى فى العالم: الاتحاد السوفيتى.

الحزمة السادسة هكذا باتت مهمتها الحفاظ على ما حققته وبدأت مع هارى ترومان (١٩٤٥-١٩٥٣) ثم دوايت أيزنهاور (١٩٥٣- ١٩٦١) وجون كنيدى (١٩٦١- ١٩٦٣) وليندون جونسون (١٩٦٣-١٩٦٩) وريتشارد نيكسون (١٩٦٩-١٩٧٤) وجيرالد فورد (١٩٧٤- ١٩٧٧) وجيمى كارتر (١٩٧٧- ١٩٨١) ثم رونالد ريجان (١٩٨١- ١٩٨٩) الذى شهد عهده تراجع المكانة السوفيتية وانتهاء الحرب الباردة وبداية «العولمة» بقيادة الولايات المتحدة. والحزمة السابعة من الرؤساء كانت تفسيراتهم للعولمة مختلفة، فقد بدأت مع جورج بوش الأب (١٩٨٩-١٩٩٣) بالدعوة إلى نظام عالمى جديد يستوعب روسيا الاتحادية إلى داخل مجموعة الأمن الأوروبية، وهو ما حدث مع بيل كلينتون (١٩٩٣- ٢٠٠١). لكن مع انتخاب جورج بوش الابن (٢٠٠١- ٢٠٠٩) وتبنى أيديولوجية المحافظين الجدد فإن «العولمة» باتت أن يكون القرن الحادى والعشرون قرنا أمريكيا تقود فيه الولايات المتحدة العالم إلى أيام سعيدة، لكن هذه الأيام لم تأت، وعندما انتهت الإدارة جاء التفكير الأمريكى بالردة عن العالم.

مثل الرئيس الخامس والأربعون، دونالد ترامب، طليعة الحزمة الثامنة من الرؤساء الأمريكيين الذين انطلقوا من بداية أيديولوجية قد يكون ملخصها «ضد العولمة» فى تعبيراتها الداخلية التى تواجه غزوا خارجيا من شعوب أخرى مختلفة ثقافيا وفكريا عن الولايات المتحدة، وتعبيراتها الخارجية التى تجعل العديد من دول العالم تعتمد على الولايات المتحدة فى حمايتها بكل ما يعنيه ذلك من نفقات مثل هؤلاء فى حلف الأطلنطى أو فى المعاهدات الدفاعية، مثل اليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية، أو الذين تعتمد عليهم أمريكا فى دول الخليج العربى لاستيراد الطاقة.

كان دخول ترامب (٢٠١٧- ٢٠٢١) إلى البيت الأبيض بداية مرحلة فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية تمثل الحزمة التاسعة من الرؤساء التى بدأت معه، لكنها لم تنته بعد، ولعل تفاعلاتها سوف تظل قائمة خلال الفترة الزمنية المقبلة. فالمواجهة السياسية التى انتهت أمام ترامب الجمهورى مع جوزيف بايدن الديمقراطى لم تكن بالسلاسة التى اتبعتها الانتخابات السابقة، حيث رفض ترامب شرعية الانتخابات والتصديق عليها، لكن العملية الانتخابية من أجل الرئيس السادس والأربعين قد بدأت، والمواجهة مع كامالا هاريس هى المرشح الآخر.

 

omantoday

GMT 17:25 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قرن البولندي العظيم (حلقة 2): اكتئاب ومشاكل

GMT 17:24 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة هوكستين... وعودة الدولة

GMT 17:23 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

عيد عُمان... ومعنى الأعياد الوطنية

GMT 17:21 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان... في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 17:20 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة مُغَيّبة والتدوير باقِ!

GMT 17:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

السّمات الدولية لسياسة ترمب

GMT 17:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قمة الرياض: أمن الإقليم مرتكزه حل الدولتين

GMT 17:14 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

السودان أمام المجهول

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ستة وأربعون رئيسًا ستة وأربعون رئيسًا



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 16:46 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29
 عمان اليوم - غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29

GMT 20:07 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مُبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 10:16 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

حاذر ارتكاب الأخطاء والوقوع ضحيّة بعض المغرضين

GMT 23:59 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

احذر التدخل في شؤون الآخرين
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab