بقلم - عبد المنعم سعيد
«الديمغرافيا» أى السكان الذين يعيشون على أرض إقليم بعينه، وكلاهما يمثل بعدا من «الدولة» إذا ما أضيفت «سلطة». تاريخيا، فإن «الدولة الوطنية» أصبح فيها شعب له هوية وثقافة مرتبطة بالبيئة الجغرافية والتاريخية للدولة استمدتها من الحدود الإقليمية حيث تعيش. تاريخيا أيضا باتت هذه الحدود مصدرا للنزاع حينما يكون السكان عابرين للحدود إلى الجوار الجغرافي، حيث هناك تمايز كبير بين الناس على جانبى الحدود فى اللغة والثقافة والحضارة. كان ذلك مفهوما عندما اعترفت الدول بالحدود التى قامت تاريخيا أو نتيجة تخطيط استعماري. الآن، فإن القضية أخذت بعدا آخر، وهو أن «العولمة» قامت على عبور الحدود سواء كان ذلك للبضائع والسلع أو التكنولوجيا والقيم، وأخيرا فإن السكان وهجرتهم أدت إلى صراعات عديدة، وأكثر من ذلك باتت أساسا للانشقاق الداخلى للدول حول مدى السماحة لقبول سكان جدد. الأصل فى ظل العولمة أن هجرة السكان كانت مشروعة مادام أن الجميع يعيشون فى «عالم واحد» أو كما قيل «قرية واحدة».
ولكن الواقع كان أمرا آخر من ناحية تعرض العولمة لوهن فى القبول بعد أن وجدتها الدول تؤدى إلى توزيع مختلف للثروة. هجرة المصانع والشركات من الولايات المتحدة إلى الدول الأقل أجورا مثل الصين جعل هذه الأخيرة قوة عظمى محتكرة لسلاسل التوريد، وجعل الأولى أقل قوة. فى الاتجاه المضاد، جرت هجرة العقول والسواعد من الدول الأكثر فقرا إلى الدول الأكثر غنى فتزاحم فقراء أمريكا الجنوبية على الحدود الأمريكية ــ المكسيكية؛ وتزاحم فقراء الولايات المتحدة وراء «ترامب» مطالبين ببناء السور الذى يفصل بين البلدين. فقراء إفريقيا اندفعوا نحو أوروبا من أجل التعليم، والآن بات الطعام. الحروب الأهلية والاستعمارية خلقت موجات الهجرة إلى الشمال واستقبلها الحنان فى السويد وأمثالها فترة الهجرات الفيتنامية والكمبودية، والآن أغلقت أبوابها حتى البحر المتوسط. فى الجنوب توقف «موسم الهجرة إلى الشمال» للأديب السودانى الطيب صالح وعجب «عصفور من الشرق» للأديب المصرى توفيق الحكيم.