بقلم: عبد المنعم سعيد
دورية الشئون الخارجية الأمريكية انشغلت مع عام جديد بقضية «الرشد والعقلانية فى سلوك الدول». كان عالم العلاقات الدولية جون ميرشايمر قد نشر كتابا حول كيف تفكر الدول؟ دار حول الواقعية فى اتخاذ قرارات السياسة الخارجية للدول وعلقت عليه عالمة أخرى - كيرين ميلو- بمقال: لماذا يقوم قادة أذكياء بأشياء غبية؟. الأمثلة كثيرة فى تاريخ الحروب العالمية، بل إن الحرب الأولى كانت محفلا لهذا الغباء نتيجة ما أشارت له المؤلفة إلى أن القادة أحيانا ما يجزعون من التعقيد بفعل متغيرات يصعب حسابها، ويلجأون إلى نوع من الاختصار أو Shortcuts باللجوء إلى مشاعرهم وعواطفهم أو إلى سوابق تاريخية تحلل لهم ما تنحو المشاعر والعواطف. فى الحرب العالمية الثانية كان قرار اليابان بضرب «بيرل هاربر» سببا فى دخول الولايات المتحدة الحرب، وتغيير مسارها واستخدام الأسلحة الذرية. دخول الولايات المتحدة إلى حروب كوريا وفيتنام وأفغانستان والعراق كانت كلها نتيجة الانفعال والشحن العاطفى وليس الحساب الواقعى والراشد لعوامل مختلفة.
الحالة الإسرائيلية فى الواقع تمثل قيادة يعميها التعصب الديني، وغرور القوة العسكرية التقليدية والنووية عن رؤية واقع كانت فيه إسرائيل تقترب من السلام والاستيعاب فى المنطقة بأشكال مختلفة، كان ممكنا أن يكفل لها الوجود والازدهار. والأهم من ذلك كله عدم الاستماع إلى نصيحة الرئيس بايدن بالتعلم من درس الغارة الإرهابية على نيويورك وواشنطن فى ١١ سبتمبر ٢٠٠١ وما انتهى إليه رد الفعل الأمريكى من عجز وفشل. إسرائيل أفسدت باندفاعها فرصة السلام والتطبيع، وأعطت دفعة كبرى لقوى راديكالية متعصبة فى المنطقة لا تقل عن تعصب أعضاء التحالف الحاكم لديها؛ والفارق هو ما اكتشفته إسرائيل من الحرب أن العالم لا يرى فيها ما تراه فى نفسها حيث الديمقراطية لا تتماشى مع الاحتلال، والحضارة لا تأتى مع القتل الجماعى للنساء والأطفال. إسرائيل لا يمكنها أن تمتلك الكعكة وتحصل على السلام، وتأكلها فى الوقت نفسه بتدمير أقرب جيرانها: الفلسطينيون.