بقلم: عبد المنعم سعيد
الحروب هى أكثر الأمور فظاعة التى أنتجها الجنس البشرى والتى تجعله أقرب إلى طبيعته الأولى التى تستحل أرواح ودماء المخلوقات الأخرى التى هى بشر آخرون. من المعروف والمسجل أن هناك حروبا عادلة سواء كانت لمقاومة العدوان أو مواجهة الاحتلال، ولكن الحروب تشهد أحيانا غرائب يصعب تفسيرها فى إطار أهداف الحرب. الحرب الحالية التى شنتها إسرائيل على قطاع غزة لها هدف محدد هو الدفاع عن نفسها بعد مفاجأة 7 أكتوبر، ولكن ما فعلته بسلوكها الوحشى فى شمال غزة أعطى شرعية لما حدث فى غلاف غزة. الأكثر غرابة أن إسرائيل طلبت من الفلسطينيين الرحيل إلى الجنوب وهى عملية بربرية لطرد السكان أولا، حيث نزح أكثر من مليون إلى خان يونس وما بعدها. الغريب بعد ذلك أنه بعد حدوث ما طلبته إسرائيل، فإنها بدأت فى قصف الجنوب، والأغرب أنها منعت الفلسطينيين من الرجوع إلى الشمال ولو للتعرف على بقايا منازلهم. تفريغ الشمال من سكانه لم يعط إسرائيل نصرا، فلماذا يكون الجنوب أكثر فعالية اللهم إلا تعريض معاهدة السلام المصرية ــ الإسرائيلية للخطر بفرض أمر لم يقبله أحد من دول العالم.
حماس هى الأخرى لها غرائبها، فقد عرَفت نصرها بأنها لم تهزم، وسوف تظل مستمرة فى المقاومة التى أبرز مظاهرها الرشقات الصاروخية التى تطلقها بصورة يومية لتقديم الدليل على وجودها فى المعركة. ولكن المعضلة تقع فى أن الرشقات الصاروخية التى توجه إلى مدن إسرائيلية لا تأتى بعدها صور لبيوت مهدمة أو لوقوع ضحايا صواريخ تحمل رؤوسا متفجرة. لا يظهر من الرشقات إلا وميض فى سواد الليل يدل على يقظة المقاومة ولكن العائد العسكرى لا يوجد فيه ثأر لما يحدث فى غزة. المصادر الإسرائيلية تشير إلى أن القبة الحديدية تصدت للصواريخ ومنعتها من التأثير ووقوع الضحايا وتغيير مجرى الحرب، ومع ذلك فإن الرشقات تظل مستمرة دون توقف كما لو كانت موجهة لجمهور وليس لأعداء.