بقلم - عبد المنعم سعيد
إذا كان هناك من دروس نتعلمها من الدول البازغة، خاصة تلك الواقعة ضمن إطار «التجربة الآسيوية» فيمكن فيها التمييز ما بين مرحلتين: واحدة جرت بعد الحرب العالمية الثانية فى اليابان (١٩٤٥)، وتلتها كوريا الجنوبية بعد انتهاء الحرب الكورية (١٩٥٣)، وفى كلتيهما امتزجت سلطة الدولة الاقتصادية مع الاقتصاد الحر، فيكون للأولى «التنظيم» وللثانية المنافسة فى سوق مفتوحة اختارت أن يكون التصدير هو الغرض من العمليات الإنتاجية. والثانية بدأت مع انعقاد مؤتمر الحزب الشيوعى الصينى (١٩٧٨) الذى قادها جين هيتساو بينج الذى أخذ منهجا قوامه أنه من الممكن للدولة طرح سياسة رأسمالية، أى المشجعة للملكية الخاصة لوسائل الإنتاج من سلع وبضائع وخدمات، بينما يظل الحزب الشيوعى الصينى فى الحكم. بشكل ما نجحت الدول الآسيوية فى حل معضلة ما التناقض فى مناطق من العالم بين المدى الذى يصل إليه تدخل الدولة فى الاقتصاد، والمدى الذى تصل إليه حرية السوق. فى مصر ظل هذا الاضطراب قائما منذ ثورة يوليو ١٩٥٢ رغم أنه جرى من وقت لآخر محاولات لحل المعضلة من خلال إجراءات تشجيعية فى كل عقد تقريبا لا تلبث أن تكشف عن أن الرأسمالية والقطاع الخاص لا تنشط فقط بمجرد إجراء تخفيض ضريبى أو كلمات مشجعة.
فى كل عقد كان المطلوب أن تكون هناك سياسة رأسمالية تمثل منهجا للنمو وتحقيق التراكم الرأسمالى الذى يعنى استدامة حلقات التطور، تكفل الإنتاج والتشغيل، وتحقيق التراكم أى الفائض اللازم للولوج إلى المستقبل. السياسة الرأسمالية تختلف عن «تشجيع القطاع الخاص» أو إعطائه الفرصة؛ هو منهج متكامل لفتح الأسواق وتفعيل المنافسة فى الداخل والخارج. هى لا تكتمل إلا بالمشاركة فى وضع الاستراتيجية وتخصيص الموارد اللازمة وتحقيق التوازن بينها والمسئوليات العامة الأخري؛ وعادة ما يكون ذلك من خلال أحزاب سياسية أو من خلال منظمات ونقابات مثل اتحاد الصناعات والغرف التجارية التى تعبر عن مصالح وقدرات وطاقات أعضائها.