بقلم:فاروق جويدة
أهدانى صديق عزيز «وناسة»، وكلكم تذكرون الوناسة هذه التحفة الجميلة التى كانت تحيطنا بضوء شاحب يبدد وحشتنا ويشعرنا بالأمان.. فى أيامنا لم تكن لدينا أضواء الكهرباء الساطعة والمبهرة، وكان «الكلوب» أقصى درجات المتعة، وكانت «الوناسة» تمنحنا الونسة حين ينطفئ «الكلوب».. وكثيرًا ما ذاكرت على ضوء «الوناسة»، وإن كانت قد اختفت فى السنوات الأخيرة أمام انتشار الكهرباء.. ولا تظهر إلا مع شهر رمضان المبارك، حيث يغنى الأطفال «وحوى يا وحوي».. والصين الآن هى أكبر منتج للوناسات، وتستورد الدول العربية كميات كبيرة منها.. وهى تضيء بالكهرباء أو البطارية، وتفيد كثيرًا حين ينقطع التيار.. كنت فى زمن مضى أهتم بالوناسة وشمعتها، وكانت بيننا علاقة حب صامتة.. كنت أحيانًا أداعب شمعتها فتخجل مني، وأحيانًا تضيع ولا أعرف مكانها، وفى أوقات كثيرة كانت تبخل بضوئها وتتركنى للظلام الدامس، فأعاتبها ونصمت.. لا أعتقد أننى الآن أفتقدها، لأن الأضواء انتشرت وزادت، ولم تعد الوناسة تكفي.. بقى اسمها لأن الناس تشعر بالوحدة وتريد شيئًا من الونسة ، فى رفقة حبيب أو ضوء وناسة أو نشرة أخبار بلا كوارث..
كلنا فى هذا الزمن يبحث عن شيء من الونسة، ولا أقول «الأنس» لأن ثمنه غير متاح، ولكننا نبحث عن شيء يؤنسنا لأن الوناسة اختفت ولا تظهر إلا فى شهر رمضان.. رغم أن الوناسة اختفت من حياة الناس كمصدر ضوء وبهجة، فإنها ذكرى عزيزة تحلق فى خيالنا كلما غاب حبيب وأخذ الضوء إجازة وأصبح الصمت حديث القلوب المتعبة.. حاول أن تبحث عن وناسة تؤنس وحدتك.
كل إنسان يبحث الآن عن وناسة، رفيقة أو حبيبة أو زوجة.. كل ما يريده هو لحظة دفء وابتسامة رضا وساعة أمان.. البرد قادم أبحث عن وناسة.