الحركة الدائرية في تل أبيب

الحركة الدائرية في تل أبيب

الحركة الدائرية في تل أبيب

 عمان اليوم -

الحركة الدائرية في تل أبيب

بقلم - سليمان جودة

إذا كان هناك شيء يصلح شعاراً في هذه المرحلة من مراحل الحرب على قطاع غزة، فهذا الشيء هو «البحث عن بدائل» لمسائل لا تجدي معها البدائل مهما تعددت وتنوعت.

ففي مرحلة مبكرة من مراحل الحرب، شاع الحديث عن «اليوم التالي» لوقف إطلاق النار، وكانت تل أبيب تستعرض مع نفسها ومع غيرها من الأطراف المعنية صوراً متنوعة لهذا اليوم التالي، ولكنها لم تكن تريد أن تفهم أن كل صيغة غير فلسطينية لما اصطلحت على تسميته بأنه «يوم تالٍ» هي صيغة محكوم عليها بالفشل مسبقاً.

وعلى مدى ما يقرب من 6 أشهر هي عُمر الحرب، تحوّل القطاع إلى ما يشبه حقل التجارب للبدائل المقترحة في اليوم التالي. ومن الواضح أن كل بديل غير فلسطيني كان يذهب بحكومة التطرف التي تحكم إسرائيل إلى طريق مسدود، فكانت سرعان ما تعود عنه لتنخرط في البحث عن بديل آخر. ولم تكن النتيجة في كل مرة مختلفة عن سابقتها؛ لأن القاعدة التي تقول إنك لا يمكن أن تفعل الشيء نفسه للمرة الثانية ثم تتوقع نتيجة مختلفة، هي قاعدة لا تزال صحيحة.

وهي صحيحة لأنها منطقية، وما يقول به المنطق هو دائماً ما يشير به العقل الذي إذا غاب عن أي قضية غاب عنها ما يتسق مع طبائع الأمور.

وطبائع الأمور تقول إن «طوفان الأقصى» الذي أنتج الحرب، هو طوفان له أسبابه التي أخرجته إلى النور، وما لم نتعامل مع هذه الأسباب نفسها، فليس أمامنا سوى أن ننتظر طوفاناً آخر، ولكن بثياب مختلفة طبعاً؛ لأن التاريخ ليس غبياً إلى حد أن يكرر نفسه بالطريقة ذاتها أو بالشكل ذاته، فهو يتكرر أو يكرر نفسه، ولكنه أبداً لا يكرر الشكل أو الطريقة.

ولأن هذا هو الأصل في القضية، فإسرائيل لم تكن منذ بدء الحرب تهرب من شبح «طوفان الأقصى» إلا إليه، ولم تكن ترغب في فهم القضية في أصلها الأول، وكانت وهي تتكلم عن اليوم التالي في مرحلة، ثم عن بدائله في مرحلة تالية، لا تتنبه إلى أن هذا كله ليس إلا هروباً إلى الأمام، وأنها تهرب مما تخشى أن تواجهه، أو بمعنى أدق: مما يتعين عليها أن تدفع ثمنه الذي لا بد من أن تدفعه؛ لأنه لا شيء بالمجان في هذا العالم، ولأنك إذا حصلت على شيء بالمجان، فهو ليس بالمجان كما قد يبدو لك، وإنما هناك طرف آخر أدى ثمنه كاملاً غير منقوص.

وما حدث في شأن قطاع غزة، أن حكومة التطرف في تل أبيب كانت كلما تبين لها أن اليوم التالي لا بديل عن أن يكون يوماً فلسطينياً لحماً ودماً، استدارت تفتش عن بديل غير الذي قادها إلى ما تهرب منه، فإذا بها في المرة الثانية، ثم في كل مرة تالية، تجد نفسها من جديد أمام ما هربت منه ابتداءً عند الخطوة الأولى!

وهكذا راحت تتحرك على نحو دائري لا يؤدي بها إلا إلى حيث بدأت، ولا يأخذها إلا إلى ما تتخوف منه، وتتحرى ألا تضع نفسها معه في مواجهة.

والغريب أن ما جربته ولم يصل بها إلى شيء في غزة، قد عادت تجربه على نطاق أصغر في منطقة رفح بجنوب القطاع، وكأن ما أخفقت فيه على النطاق الأوسع في القطاع على اتساعه، يمكن أن تنجح فيه على النطاق الأقل اتساعاً!

ولم يعد لها شاغل إلا البحث مع الأميركيين عن بديل اقتحام رفح، وكأنها لا تدري أن البديل هو عدم الاقتحام أصلاً، بالضبط كما أن البديل الوحيد لما تطرحه في القطاع هو الخروج منه وإخلاؤه لأهله، وكل ما عدا ذلك في غزة أو في جزء منها هو مضيعة للوقت.

الفكرة منذ إطلاق الحرب على غزة، أن العقل المحرك لهذه الحرب يتجنب النظر إلى الأسباب التي أطلقت «الطوفان» الذي أطلق بدوره الحرب، ولأن هذا هو الأسلوب المعتمد، فلا مجال للوصول إلى حل مهما طال الطريق إليه.

مرة تتحدث حكومة التطرف عن تأجيل للحل النهائي 5 سنوات، ومرة أخرى تتكلم عن قوات عربية أو غير عربية لحفظ السلام في غزة، ومرة ثالثة تناقش في الطريقة التي تجعلها قادرة على السيطرة الأمنية على غزة، ومرة رابعة وخامسة وعاشرة تخوض في أشياء مشابهة لهذا كله، ولكنها ولا مرة واحدة تصارح نفسها بأن هذا كله لن يفيدها في شيء، فلا تكون الحصيلة إلا إعادة إنتاج ما سبق إنتاجه، فيتغير الشكل ولكن يبقى المضمون على ما هو عليه.

وليس أغرب من أن تشاركها الولايات المتحدة هذا النهج، مع أنها -بحكم خبرتها في التعامل مع المنطقة، ومع قضية فلسطين في القلب منها- تعرف تماماً أنه لا حل آخر سوى أن يكون اليوم التالي فلسطينياً، وأنه ليكون فلسطينياً فلا بد من حل يجعل للفلسطينيين دولة، بمثل ما للإسرائيليين إلى جوارهم دولة.

البديل اسمه بديل، ولأنه كذلك فهو لا يحل مكان الأصيل ولا ينوب عنه، وإذا ناب عنه فليس إلا ليلفت انتباهنا إلى أنه بديل لا أصيل، وفي كل مراجعة لتاريخ القضية منذ قامت الدولة العبرية في 1948، سوف تجد إسرائيل أنها أمام هذا المعنى وجهاً لوجه، وسوف تكتشف في كل مرة من مرات المراجعة أن ما تتفادى مواجهته على الأرض تجده إزاءها في النظرية أو في الخيال.

omantoday

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

هوامش قمة البحرين

GMT 08:30 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 08:29 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 08:28 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحركة الدائرية في تل أبيب الحركة الدائرية في تل أبيب



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 20:07 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مُبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F
 عمان اليوم - علاج جيني مُبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 14:38 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab