بقلم: سليمان جودة
الذين يذهبون إلى برج القاهرة من ناحية النيل، يلاحظون أن في وسط الطريق إلى البرج شجرة مُعمرة، وأن الطريق يدور حولها ويتفاداها، وأنها مع الوقت صارت من معالم الطريق.
ومن حجمها وشكلها تشعر بأنها كانت موجودة في مكانها قبل شق الطريق المحيط بها من الشمال واليمين، وأن الذين شقوا الطريق كان في إمكانهم اقتلاعها، ولكنهم فضلوا بقاءها في المكان، وأنهم حرصوا على ذلك، وأحاطوها بما يضمن عدم الاقتراب منها ممن يستخدمون الطريق.
هذه الفكرة أتمنى أن تكون أمام أعضاء اللجنة التي دعاها الرئيس إلى وضع تصور شامل عن تطوير منطقة مقابر السيدة والإمام.. فمثل هذه الشجرة في طريق البرج ثروة لا تُقدر بمال، ولا يمكن تعويضها إلا عبر سنوات طويلة، كما يتربى الطفل مدى عُمره إلى أن يصير رجلًا بين الرجال.
والمعنى أن في منطقة مقابر السيدة والإمام ما يجب الاحتفاظ به في مكانه، وما يتعين حمايته مما يخدش طبيعته، لأنه من طراز معمارى نادر مثلًا، أو لأنه مبنى يمثل قيمة في حد ذاته، أو لأنه تصميم هندسى لا يمكن أن نكرره في مكان آخر، رغم تكنولوجيا العصر ورغم إمكاناته.
منطقة السيدة والإمام جزء من الذاكرة الجماعية للناس، ولا بد عند تطويرها أو حتى نقلها أن نحتفظ فيها بما يحمى مثل هذه الذاكرة لدى المصريين.
إن الألمان يحتفظون إلى الآن بجزء من جدار استهدفته قوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، ورغم أن هذا الجزء من الجدار يثير الحزن والألم لديهم هناك، إلا أنهم يحرصون على أن يظل قائمًا في مكانه، لأنه يشكل في النهاية جانبًا من جوانب كثيرة في ذاكرة الألمان الجماعية.
هذا الجزء من الجدار موجود في برلين ويستطيع كل زائر أن يراه، وإذا كان الزائر ضيفًا على الدولة فإنهم يأخذونه إليه ليرى ما يحبون هُم أن يراه.. وفى كل عاصمة سوف تجد المعنى الذي يمثله الجدار الألمانى، ولكن في صور مختلفة ومتنوعة، وحسب قدرة كل عاصمة على الإبداع في الموضوع.
راعوا أن منطقة السيدة والإمام جزء حى من ذاكرة المصريين، وما هو كذلك لا بد أن نتعامل معه على هذا الأساس، وأن يكون نموذج شجرة البرج أمامنا ونحن نضع التصور الشامل للمنطقة كلها، لأنها منطقة لا تنفصل عما حولها في المكان، ولا عما قبلها وبعدها في الزمان