بقلم: سليمان جودة
السنوات العشر التي انقضت على ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، كانت كافية لأن تجعل جماعة الإخوان تتعلم، وكانت كافية لأن تجعلها تنسى.. أو هكذا كنا نفترض.
ولكن الجماعة لا تزال تثبت أنها لا تتعلم مما مرّ بها ولا حتى تنسى، وأن الخلاف المستعر هذه الأيام بين جبهة لندن بقيادة صلاح عبدالحق، وجبهة إسطنبول، بقيادة محمود حسين، دليل لا تخطئه العين على ذلك، ودليل أيضًا على أن التعلم ليس على جدول أعمالها ولا النسيان، وأن الحماقة لا تفارقها ولا تبتعد عنها.
والجماعة لا تزال تثبت أن ما قالته الأعرابية البدوية ذات يوم، إنما ينطبق عليها كجماعة أكثر مما ينطبق على غيرها.. تمامًا كما انطبق في زمن الأعرابية على الذئب والشياه التي كانت تربيها في بيتها.
فالأعرابية كانت قد جاءت بذئب صغير إلى البيت، وكانت قد قررت بينها وبين نفسها أن تجعله يتربى بين غنماتها، ولأن الذئب كان وليدًا بالكاد، وكان رضيعًا في أيامه الأولى، وكان لا يزال يستكشف الدنيا من حوله، فإن رهان الأعرابية كان على أنه لن يرث طباعه عن أمه ولا عن أبيه، وأنه سيكتسب طباع الشياه التي سينشأ بينها، وأنه لن يكون ذئبًا بطباع ذئاب.
ومرت الأيام بينما السيدة تراقب الذئب الوليد من بعيد، وكانت تضع إحدى عينيها عليه والثانية على شياهها، وكانت تتطلع إلى الطرفين من مكانها وتنتظر.
ولم تصدق نفسها حين عادت يومًا لتجد أنه قد تصرف كذئب تمامًا، وأن كل الفترة التي قضاها بين الغنمات لم تنفعه في شىء، ولم يأخذ منها درسًا يفيده في شىء، وأن الطباع المتأصلة عنده قد غلبت على التطبع، وأنه قد عجز عن نسيان أنه ذئب، وأن كل ما راهنت هي عليه فيه لم يكن له نصيب من النجاح، وأنه قد خيّب ظنها فيه وأنه ارتد إلى طباعه الأولى!.
عادت المسكينة إلى بيتها يومًا، لتكتشف أن الذئب الوليد قد انقض على شياهها، فأرعبها ونال منها، وأنه طاردها في أركان البيت ومزقها كما تطارد الذئاب فرائسها في الغابات.. ولم تملك الأعرابية، وهى تطالع المشهد بعينيها، إلا أن تقول فيما رأته أمامها عددًا من أبيات الشعر بقيت من بعدها.. وكان مما قالته: إذا كانت الطباع طباع سوء فلا أدب يفيد ولا أديب.
وإذا كانت السنوات العشر قد مرت دون أن تتعلم الجماعة ودون أن تنسى، فليس من الممكن أن نراهن في المستقبل على ما لم تكن السنوات العشر كافية للرهان عليه