بقلم: سليمان جودة
تعرف الحكومة أنه لا مجال للمنافسة بينها وبين القطاع الخاص، وأن أى منافسة اقتصادية بينهما محسومة لصالحها فى كل الأحوال.
والغالب أن هذا الإدراك هو الذى أدى إلى إصدار «وثيقة ملكية الدولة»، التى لما خرجت إلى النور قبل شهور، كان الغرض من إصدارها أن تأخذ الدولة خطوات إلى الوراء، وأن يجد القطاع الخاص مجالًا أوسع فى الأنشطة الاقتصادية، ثم يجد منافسة أقل من جانب الدولة.
وعندما أنهى مجلس النواب دور الانعقاد الثالث، قبل ساعات، كان قد وافق على مشروع قانون تقدمت به الحكومة بإلغاء إعفاءات الضرائب والرسوم الممنوحة لجهات الدولة فى الأنشطة المشار إليها.. وقد جاء هذا الإلغاء وكأنه أول الغيث للاقتصاد فى البلد.
ويلفت الانتباه أن مشروع القانون تقدمت به الحكومة نفسها، ولم يتقدم به نائب مستقل فى البرلمان، ولا نائب يمثل حزبًا من الأحزاب.. وهذا معناه أن الحكومة أدركت من تلقاء نفسها، وبالتجربة، أنه لا مجال للحديث عن فرص عادلة أمام القطاع الخاص فى الاستثمار، مادامت هذه الإعفاءات موجودة وقائمة.
ومن قبل كنت قد دعوت الحكومة إلى خطوة كهذه، وكان غيرى قد دعاها إلى الشىء نفسه، والحمد لله أنها أدركت الآن أن تلك الدعوات لم تكن أبدًا عن موقف ضدها، ولكنها كانت انتصارًا للمنطق الاقتصادى السليم، الذى لا تستقيم الأمور بسواه.
ولابد أن الحكومة قد راقبت الأداء الاقتصادى فى البلد، ولابد أنها قد لاحظت أن الإبقاء على تلك الإعفاءات كان عقبة كبيرة فى طريق القطاع الخاص، وأن الإعفاءات كانت تصرف القطاع الخاص عن المشاركة فيما يجب عليه أن يشارك فيه، ولم يكن انصرافه عن تأفف من جانبه فى المشاركة، ولكن لأن المنافسة بينه وبين الجهات المعفاة كانت غير عادلة.
هذه خطوة محسوبة للحكومة التى تقدمت بمشروع القانون، ومحسوبة للبرلمان الذى وافق عليه، ولكن الأهم أن يتواصل إدراكها فى هذا الاتجاه، وأن تلتفت إلى أن هذه ليست آخر الخطوات، بل ربما تكون الأولى من حيث وضوحها وحسمها فى الموضوع، ولا سبيل سوى قطع الخطوات إلى آخرها لأن الأمر يتعلق باقتصاد بلد وبمستقبل دولة.