بقلم: سليمان جودة
ما بين «ابتسامة الفيزياء» و«دموع الكيمياء» صارت الثانوية العامة محصورة فى كل سنة، وليس من الواضح أنها ستتحرر من هذا التعاقب العجيب فى وقت قريب.
ولو أن أحدا راجع مواسم الثانوية على مدى السنين الماضية، فسوف يجد أنها تتوالى متشابهة تماما كأنها صورة بالكربون من بعضها البعض، وأن الفيزياء إذا رسمت البسمة على وجوه الطلاب، فدموع الكيمياء تظل على موعد بعدها بالضرورة مع الطلاب أنفسهم!.
أما منظر الطلاب وهُم خارجون من امتحان الكيمياء، فلقد بدا كأنهم عائدون من معركة كانوا فيها أقل من أن ينتصروا.
وحين تطالع التفاصيل فى هذا كله، يتبين لك أنك أمام الشىء ونقيضه، وأن الشكوى من صعوبة الامتحان التى وصلت فى نظر الكثير من الطلاب إلى حد التعجيز، تقابلها شكوى على الجانب الآخر من ضعف مستوى الطلاب فى الأساس، ومن عدم قدرتهم على اجتياز هذا الامتحان الذى يقيس مدى القدرة لديهم على الفهم والاستيعاب.
إننى لا أجد حرجا فى أن أقول إن الطالب الذى يشكو من صعوبة الامتحان، هو فى الأصل طالب لم يستعد كما يجب لامتحانه، وهو طالب يتصور أن الامتحان نزهة، وهو طالب يتخيل أن فى إمكانه أن يمر من الثانوية العامة إلى الجامعة، لمجرد أنه حصل على درس خصوصى فى المادة التى ذهب يؤدى الامتحان فيها.
وقد أعجبنى أن تقول وزارة التربية والتعليم إنها شكلت لجنة من خبراء متخصصين، وإن اللجنة ليس من بين مهامها تقديم درجات رأفة فى مادة الكيمياء بالذات، وأن مهمتها هى التأكد من دقة الصياغة لكل سؤال فى هذه المادة، والتأكد كذلك من أن السؤال بصيغته التى وجدها الطلاب أمامهم فى ورقة الأسئلة لا يحتمل أكثر من إجابة ولا أكثر من تفسير.
وأعجبنى أكثر أن تقول الوزارة على لسان متحدثها الرسمى الأستاذ شادى عبدالله زلطة، أن نسبة تصل إلى ٣٠٪ من الامتحان هى للطالب المتميز.. فالطلاب فى النهاية ليسوا سواء من حيث قدراتهم العقلية، ومن المهم أن يأتى سؤال فى أى امتحان ليفرز الطلاب من بعضهم البعض.
والموضوع فى مجمله عنوان للتعليم فى بلدنا، وكيف أنه تعليم ينقصه شىء مهم بل أهم، أما هذا الشىء فهو أن قضية التعليم فى أشد الحاجة إلى أن توضع فى مكانها الصحيح على خريطة عمل الحكومة، من حيث الإنفاق العام، ومن حيث الرؤية التى لا بد أن تسبق الإنفاق العام، ليكون الأمر فى النهاية إنفاقا عاما فى مكانه، وتعليما قادرا على أن يذهب بالناس إلى المستقبل.