بقلم: سليمان جودة
تنشغل الدنيا عندنا بالثانوية العامة فى هذا الموعد من كل سنة، ولكن الانشغال فى المقابل بالتعليم الفنى شبه منعدم، مع أن التعليم الفنى أهم فى حقيقة الأمر.
والسبب أن سوق العمل فى حاجة إلى خريجى التعليم الفنى أكثر بكثير من حاجتها إلى خريجى الجامعة، ولكن بشرط أن يكون المتخرج فى المدارس الفنية متعلمًا ومتدربًا بما يتوافق مع حاجة السوق.
وإذا كانت المغرب جاذبة لصناعة السيارات من فرنسا، فلا سبب لذلك سوى أن التعليم الفنى عندهم متقدم ومتطور، ولا سبب سوى أن عندهم عمالة فنية متدربة ودارسة على مستويات عالية، وهذا ما يجعل المستثمر الفرنسى يرى فى المغرب وجهة استثمارية مناسبة.
ولأن الألمان هم أهل التعليم الفنى فى العالم، فإننا مدعوون إلى الاستعانة بخبرتهم وتجربتهم فى الموضوع، وإذا حدث هذا فسوف نبنى على تجربة قديمة بيننا وبينهم منذ أيام مشروع مبارك- كول للتعليم الفنى بين البلدين، وقد كان مشروعًا يمتلئ بالطموح لولا أن ما جاء بعده فى أيام ٢٥ يناير ٢٠١١ قد عطله ثم نسيناه.
وعندما فكر الدكتور رؤوف غبور فى إنشاء أكثر من مدرسة للتعليم الفنى على أصوله، فإنه يرحمه الله لم يجد أفضل من الخبراء الألمان ليستعين بهم، وتفاصيل القصة منشورة فى كتاب مذكراته لمَن يريد أن يبنى عليها ويأخذ منها الدرس والعظة.
وكان المهندس إبراهيم محلب قد سبق فاستحدث وزارة للتعليم الفنى على وجه الخصوص، وقد حدث هذا عندما كان الرجل على رأس الحكومة، وكان يستحدثها مدفوعًا بتجربته فى شركة المقاولون العرب، ومستندًا على تجربة طويلة له فى الشركة العريقة.
الذين يلتحقون بالتعليم الفنى فى كل سنة أعداد بلا حصر، ولا يمكن أن نتركهم بعد التخرج يعملون فى أى مجال إلا المجال الذى درسوه وقضوا سنوات من أعمارهم يحاولون فهم موضوعه، ولابد أن يحصل التعليم الفنى على اهتمام حكومى يتناسب مع مدى حاجتنا إلى خريجيه، ثم يتناسب مع مدى حاجتنا إلى توظيف هذا الرأسمال البشرى اقتصاديًّا كما يجب.
التعليم الفنى الجيد سوف يكون أداة جاذبة لاستثمار كثير، وسوف يوظف طاقة المتعلم فنيًّا فى مكانها، وسوف يخلق فرص عمل أفضل للخريجين خارج الحدود، وسوف يجعل تحويلاتهم أعلى مما هى عليه، وسوف يعظم من قيمة رأسمالنا البشرى.. فكأننا نضرب خمسة عصافير بحجر واحد.