بقلم: سليمان جودة
توقفت أمام صورة نقلتها وكالات الأنباء لرئيس وزراء بريطانيا، ريشى سوناك، وهو يزور المجلس الثقافى البريطانى فى العاصمة الهندية نيودلهى.
كان رئيس الوزراء البريطانى قد وصل الهند لحضور قمة مجموعة العشرين، التى شارك فيها الرئيس السيسى صوتًا عاليًا للعالم النامى.. ولأن بريطانيا تتمتع بعضوية المجموعة، فإن سوناك قد حضر وفى رفقته زوجته أكشاتا مورتى، ابنة أحد أثرياء الهند، وليس سرًّا أن الاثنين ينتميان إلى أصول هندية.. ولا تزال الملامح الهندية واضحة على وجه رئيس وزراء بريطانيا، رغم أنه قضى حياته كلها تقريبًا فى لندن.
وعندما جاءه التوجيه بتشكيل الحكومة الإنجليزية، أكتوبر ٢٠٢٢، كتبت الصحف فى بريطانيا وغيرها عنه باعتباره الهندى الذى استقر على رأس ١٠ داونينج ستريت، حيث المقر الشهير لرؤساء الحكومات البريطانية المتعاقبة.. أما الشىء الذى جعلنى أتوقف أمام صورته بالذات، فهو أن سوناك وصل الهند، بينما رئيس وزرائها ناريندرا مودى يتبنى الدعوة إلى تغيير اسمها من الهند إلى بهارات.
إلى هنا لا مشكلة.. لأنه ما أكثر الدول التى غيّرت أسماءها فى العالم، ولكن المفارقة أن الهنود الذين يؤيدون الدعوة إلى تغيير الاسم، يفعلون ذلك لأن لديهم رغبة قوية فى نسيان مرحلة الاحتلال الإنجليزى لبلادهم، ولأن اسم «الهند» مرتبط تاريخيًّا بوجود هذا الاحتلال هناك لعشرات السنين.
والمعنى أن ريشى سوناك يجد نفسه وهو فى الهند لحضور أعمال القمة موزعًا بين أصوله التى لا يمكنه الهرب منها، وبين وضعه الحالى، الذى يفرض عليه أن يفصل تمامًا بين هنديته وبين مقتضيات منصبه التى لا يمكنه إلا الخضوع لها.
لقد كان الرجل هنديًّا ذات يوم، ولا يستطيع أن يعود إلى ما كان، وهو اليوم بريطانى، ولا سبيل إلى ألّا يكون غير ذلك، ولا يعرف بينه وبين نفسه ماذا عليه أن يقول، وهو يرى هنودًا كثيرين ينظرون إلى الفترة البريطانية فى تاريخ بلادهم بغضب وسخط، ويتمنون لو أزالوا كلمة الهند من الوجود، فلا تظل تعيد تذكيرهم بما كان بينهم وبين الإنجليز فى أى يوم.
ولا تعرف ماذا سوف يقول لو أنه صادف مَن يسأله عن رأيه فى الدعوة إلى تغيير الاسم؟.. فهو إما أن يقول إنه معها، فيبدو ميالًا إلى هنديته القديمة، ومتخليًا عن إنجليزيته التى اكتسبها، وإما أن يُبدى اعتراضه عليها، فيغضب منه أصحابها، ويجدون فى اعتراضه ما لا يتسق مع جذوره ولا مع نشأته الأولى.
عوامل النشأة تفرض على سوناك أن يتحمس لفكرة تغيير الاسم لأنه ينتمى أصلًا إلى الهندوس المتحمسين لها، ولكن وجوده فى 10 داونينج ستريت يدعوه إلى أن يكون ضدها.. وهذه قضية لا بد أنها نفسيًّا تؤرقه.