بقلم: سليمان جودة
قامت الدنيا ولم تقعد لأن الدكتور صلاح الغزالى حرب اقترح، في إحدى جلسات الحوار الوطنى، إلغاء ما يسمى العلاج على نفقة الدولة.
وهى لم تقعد لأن الذين ثاروا على الرجل لم يقرأوا ما قاله نصا، لكن سمعوا أنه قال كذا وكذا فاعترضوا على الفور وهاجموه دون تفكير، ولو أنهم كلفوا أنفسهم عناء قراءة التفاصيل والمتابعة، لوجدوا أنفسهم واقفين معه على جبهة واحدة.
فالدكتور صلاح طبيب، ولا يوجد أحد يتعاطف مع المرضى قدر ما يتعاطف معهم الطبيب، لأنه أدرى الناس بما يعيشه كل مريض ويعانيه.. ولأن الدكتور الغزالى يتابع ملف العلاج على نفقة الدولة منذ بدايته، فهو يعرف أنه مشروع بدأ بالنوايا الحسنة، ثم ما لبث حتى انحرف عن هدفه الحقيقى مثل أشياء كثيرة في حياتنا، وأصبح بابا لأشياء بعيدة عن العلاج على نفقة الدولة بمفهومه الصحيح.
وهذا بالطبع لا يعنى موقفا في الإجمال ضد مشروع العلاج على نفقة الدولة، ولا يعنى أنه مشروع سيئ من أوله إلى آخره.. ففيه بالتأكيد مزايا، وهناك بالقطع مرضى كثيرون استفادوا منه، لكن القصد هو توظيف الميزانية المخصصة للمشروع على نحو أفضل، وإذا حدث هذا فسوف يستفيد منه أضعاف العدد الذي يستفيد منها حاليًا.
القصد، كما فهمته من حديث الرجل عن اقتراحه، أن ميزانية العلاج على نفقة الدولة يجب توجيهها إلى مستشفيات الدولة نفسها، ويجب دعم كل مستشفى بجزء عادل من هذه الميزانية، لعل مستوى هذه المستشفيات يقطع خطوة للأمام، ولعل الذين يقصدونها من غلابة المرضى يجدون فيها ما يبحثون عنه، ويحصلون منها على حقهم في العلاج.
العلاج على نفقة الدولة حق يكفله الدستور لكل مواطن، وهذا المواطن لابد أن يجد علاجه في مستشفيات الدولة، بدلا من أن يسعى إليه من باب اسمه: قرار بالعلاج على نفقة الدولة.
إننى أخشى إذا استمر العلاج على نفقة الدولة بالصورة الحالية، دون مراجعة ودون إعادة تقييم، أن يصبح مثل مجانية التعليم.. فالقصة ليست شعارا نرفعه في الحالتين، لكن القصة هي ماذا على وجه التحديد يحمل الشعار من مضمون؟!.. وإذا كان الدستور الحالى يلزم الحكومة بإنفاق ٣٪ من الناتج القومى الإجمالى على الصحة، فهذه النسبة لابد أن تتوفر لوزارة الصحة، ولابد أن تتاح للمرضى من خلال مستشفيات الحكومة، التي لا بديل عن أن تكون مهيأة لاستقبال مرضاها بمستوى آدمى.