بقلم: سليمان جودة
منذ ٥٠ سنة، التقى العاشر من رمضان مع السادس من أكتوبر فى يوم واحد، ومن بعدها تفرقا، ولم يحدث أن التقيا من جديد، ولكنهما بقيا رمزًا للنصر الذى أضاء حياتنا وأزاح ظلام الهزيمة. غير أن ما جرى هذه السنة كان لافتًا، وكان جديدًا من نوعه تمامًا لأن العاشر من رمضان لم يتقابل هذه المرة مع السادس من أكتوبر كما كان الأمر فى ١٩٧٣، ولكنه تقابل مع ١٩ مارس، وكان لقاءً من النوع الفريد الذى لا بد أن يستوقفنا.
صحيح أنهما لم يتقابلا فى نهار واحد، وصحيح أن العاشر من رمضان قد جاء فى اليوم التالى مباشرة للتاسع عشر من مارس، ولكنه لقاء نادر فى شكله وفى معناه لأنه جاء وكأنه يريد أن يقول لنا إن هذين اليومين يكملان بعضهما البعض فى تاريخنا القريب، ففى العاشر من رمضان عادت سيناء إلى الوطن الأم، وكانت عودتها أو عودة جزء كبير منها مقترنة بنصر عظيم.. نصر لا يزال العدو يذكره بمثل ما يذكره الصديق، ولا تزال المنطقة تذكره فلا تنساه، ولا تزال الأجيال المتوالية تتذكره جيلًا بعد جيل، وترى فيه أن رجالًا فى المحروسة قد حققوا معجزة بكل المقاييس.. وهذا ما أشار إليه السادات البطل وهو يخطب فى جنوده، وفى المصريين، وفى العالم فى ذلك اليوم.
من بعدها أدرك السادات أنه يستطيع أن يدرك بالتفاوض والسلام ما لم يدركه بالحرب والقتال، فذهب شجاعًا إلى سلام أعاد إليه كل ما كان قد تبقى من أرض الفيروز، وكان الخامس والعشرون من إبريل ١٩٨٢ هو اليوم الذى عادت فيه سيناء كاملةً إلى وطنها الأم، بعد مسيرة من العمل ومن الأمل استغرقت سنوات. ولكن الله شاء ألا يكون البطل حاضرًا فى ذلك اليوم من عام ١٩٨٢، فلقد شاءت الأقدار أن يغادر الدنيا شهيدًا فى الزى العسكرى قبلها بشهور أقل فى عددها من أصابع اليدين.. غادر الرجل يرحمه الله وهو الذى عاش يتمنى لو يحضر هذه المناسبة، ثم ليكن بعد ذلك ما يكون.. غادر وفى نفسه شىء مما لم يشهده.
غادر بعد أن طالته يد التطرف والغدر فى يوم كان أحب الأيام إليه.. غادر ومن بعدها كان على مصر أن تخوض معركة أخرى هى معركة طابا. معركة دارت بالقانون الدولى، وبالأدوات الدبلوماسية، وبكل أداة أخرى كان فى مقدورنا أن نستخدمها وأن نوظفها، وكان أن قضت أكبر محكمة فى العالم بأن طابا مصرية لا شك فى ذلك، وأن صغر مساحتها، إلى حد لا تكاد معه تراها على الخريطة، لا يعنى أن يفرط فيها المصريون، فالأرض أرض، ولا فارق بين أن تكون مليون كيلومتر مربع، هى مساحة بلدنا بين البلاد، أو أن تكون بضعة كيلومترات هى مساحة طابا فى موقعها هناك على رأس خليج العقبة فى شرق البلد. عادت طابا فى ١٩ مارس ١٩٨٩، بعد معركة دبلوماسية وقانونية دامت سبع سنوات كاملة، وكان التقاء ١٩ مارس هذه السنة مع العاشر من رمضان علامة على أن السلام والحرب يتكاملان، وأن ما لا يعود بهذه يعود بتلك، وأن هذا التكامل يبدو من الالتقاء القدَرى لليومين، وكأنه سُنة من سنن هذا الكون!.