بقلم - سليمان جودة
القرار الذى اتخذته شركة بترول أبوظبى الوطنية «أدنوك» سوف يكون له صداه العملى القوى فى إسرائيل، وسوف يجعل تل أبيب تفيق، وسوف يجعلها تدرك أنها إذا كانت قد تصورت أن اتفاقيات السلام الإبراهيمى شيك على بياض فهى مخطئة لا شك.
أما قرار أدنوك فهو تعليق عقد استحواذها على حصة من شركة الغاز الإسرائيلية بقيمة ٢ مليار دولار.. ولأن شركة بى بى البريطانية تشارك «أدنوك» التوجه نحو هذا الاستحواذ منذ البداية، فلا بد أن قرار التعليق مشترك بينهما، ولا بد أنه قد حظى بالتوافق المسبق على مستوى الشركتين.
ورغم أن عواصم عربية متعددة اتخذت إجراءات ضد إسرائيل منذ بدء حربها على قطاع غزة فى ٧ أكتوبر، ورغم أن الإجراءات تنوعت بين السياسى وغير السياسى، فإن قرار شركة بترول أبوظبى الوطنية يظل مختلفًا، وهو مختلف لأنه يخاطب حكومة التطرف فى الدولة العبرية باللغة التى تفهمها.. يخاطبها بلغة الأرقام، والدولار، والاقتصاد فى العموم.. ويكفى أن نعرف أن سهم شركة نيوميد الإسرائيلية للطاقة انخفض بنسبة ٨ ٪ بمجرد الإعلان عن تعليق العقد.
إسرائيل كانت قد وقّعت اتفاقيات السلام الإبراهيمى مع أربع عواصم عربية فى ٢٠٢٠، وكانت أبوظبى واحدة من العواصم الأربع، ورغم أن الاتفاقيات تتحدث عن السلام فى عنوانها، لا عن الاقتصاد، فإن أساسها كان اقتصاديًّا، ولكن هذا الأساس كان يقترن بضرورة أن تتزامن العلاقة الاقتصادية بين إسرائيل والدول الأربع بالسعى الجاد نحو حل عادل ونهائى للقضية فى فلسطين.
ومن سياق الأحداث على طول الفترة من توقيع الاتفاقيات إلى يوم تعليق العقد الإماراتى، كانت إسرائيل تتطلع إلى الجانب الاقتصادى فى الاتفاقية الموقّعة مع العاصمة الإماراتية، وكانت تغض البصر عن جانبها السياسى المتعلق بشكل مباشر بقضية فلسطين، وكان هذا مما لا يريح الإخوة فى الإمارات، ولكنهم كانوا يراهنون على أن حكومة التطرف يمكن أن تنتبه فى النهاية.
فلما لم يحدث شىء من ذلك على طول الفترة من ٧ أكتوبر إلى اليوم، كان لا بد من شىء يجعلها تنتبه، وكان تعليق عقد المليارى دولار هو هذا الشىء الذى يقرع الجرس على أسماعها.. وكان المعنى أن حربها على غزة لن تمر دون ثمن مدفوع.
والأمل أن تكون الورقة الاقتصادية بالذات هى الورقة التى تلعب بها كل عاصمة عربية مع إسرائيل فى مرحلة ما بعد تعليق العقد الإماراتى.. فهذه الورقة على وجه التحديد هى التى تؤثر، وهى التى توجع، وهى التى تجعل تل أبيب توقف حرب الإبادة التى تشنها منذ خمسة أشهر على المدنيين والنساء والأطفال فى القطاع.. هذه ورقة مفعولها لا يخيب، وإذا كانت الحرب على القطاع قد ضربت اقتصاد إسرائيل فى أكثر من مقتل، فمفعول اللعب بالورقة الاقتصادية معها سيكون مضروبًا بالتأكيد فى اثنين.