بقلم: سليمان جودة
نعرف جميعًا موعد حلول شهر رمضان مُسبقًا، ومع ذلك فالغالبية منا يفاجئها شهر الصيام وكأنها لا تعرف موعده قبلها بسنة إلا شهرًا واحدًا!
وعندما قالت الأخبار إن رمضان سيبدأ الثلاثاء لا الإثنين فى خمس دول حول العالم، تمنى كثيرون بيننا لو أننا نكون الدولة السادسة فى طابور الدول الخمس، لا لشىء إلا لأن وراءهم ما يريدون الانتهاء منه فى اليوم الثلاثين من شهر شعبان!.. وكأن اليوم الأخير من شعبان سوف يتسع لما لم ننجزه فى ٢٩ يومًا سابقة عليه!
ويتكرر الأمر نفسه تقريبًا فى نهاية رمضان، فيتمنى كثيرون أيضًا لو أنه أكمل أيامه ثلاثين يومًا فلا تكون تسعة وعشرين.. والسبب فى هذه الحالة أنهم اعتادوا الشهر الكريم، وعاشوا أجواءه، وتنسموا روائحه، وذاقوا حلاوته، وأصبحوا يستزيدون منها، ولأنهم يجدون فيها ما لا يجدونه أبدًا فى بقية أيام السنة على امتداد شهورها.. والقرآن الكريم يصف النسيان فى الحالتين فيقول: «ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزمًا».
ورغم أن الآية تتكلم عن آدم، عليه السلام، على وجه التحديد، وعن وجوده فى الجنة، وعن خروجه منها، إلا أن آدم هو أبوالبشر، وما ينطبق عليه يمكن أن يمتد لينطبق على بقية أبنائه من يوم خلقه هو إلى يوم القيامة.
وإذا كان العلم يتكلم عن أشياء تنتقل بالوراثة، وعن أخرى لا تنتقل، فالنسيان الذى أصاب آدم عندما اختبره الخالق قد راح ينتقل من بعده من جيل إلى جيل، وأصبح طبيعة فى الإنسان، ثم تجاوز ذلك إلى حدود الطبع الذى لا يمكن التخلص منه بسهولة.. والطبع يغلب التطبع مهما حاول كل واحد منا أن يتطبع بغير ما فيه، أو بغير ما يحمله من جينات ممتدة منذ الأب الأول.. ولا توجد عبارة تجسد هذا النسيان الذى يعترى الإنسان، إلا تلك التى تقول: «الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا». ولا يعنى النوم فى العبارة إلا النسيان والغفلة معًا.
إنهم نيام لأنهم يستيقظون على ما لا يمثل مفاجأة لهم ولا يجب، وليس مثال شهر رمضان إلا واحدًا من بين أمثلة، ولو أنك ذهبت تحصى وتعد فسوف لا تنتهى من العدّ ولا من الإحصاء.. وسوف يدهشك أن تنطبق القاعدة علينا فى كل مرة فلا تخطئ، وسوف يدهشك أكثر أن نعود إلى ما يفاجئنا فى كل مرة وبالطريقة نفسها!
وإذا شئت فراجع الذين حولك فى كل مكان، وسوف تجدهم ممن فاجأهم رمضان، وكأنه لم يسبقه شعبان، ولا سبق شعبان رجب فى تعداد الشهور!