بقلم: سليمان جودة
أتابع التقرير الذى يرصد سعادة الدول من سنة إلى سنة، ويدهشنى أن تظل فنلندا أسعد الدول فى العالم لسابع عام دون انقطاع!.
الجديد فى تقرير هذه السنة أن الكويت هى الأسعد عربيًا، ولا جديد فى أن تكون لبنان وأفغانستان هما الأقل سعادة دون منافس، ففى السنة الماضية كان الأفغان واللبنانيون هُم أيضًا أقل شعوب العالم سعادة، وكان هذا مما يثير الإشفاق على الناس فى البلدين.. لقد اشتهرت أفغانستان تاريخيًا ببأس أبنائها، ومما يقوله التاريخ أن فتوحات المسلمين فى بدء الإسلام وصلت إلى كابول، وأنه لا شىء وقف فى طريقها إلا البأس الذى كان يميز الأفغان، فمنذ متى كان البأس قرين التعاسة؟.. ولم تشتهر لبنان بشىء عبر تاريخها قدر اشتهارها بالجمال على مستوى كل شىء فيها، بدءًا بالطبيعة وانتهاءً بالبشر ومرورًا بما بينهما، فمنذ متى كذلك كانت التعاسة قرينة الجمال؟.
أما احتفاظ فنلندا بالقمة على مدى سنوات سبع، فهذا مما يثير السؤال عن السبب؟.. وبمعنى آخر فإن السؤال يظل عن الشىء الذى يوجد لدى الفنلنديين فيجعلهم أسعد أهل الأرض، ثم لا يوجد فى بقية البلدان فيجعل شعوبها أقل سعادة.
من الممكن أن يقال كلام كثير فى سعادة فنلندا التى تنتمى إلى الدول الإسكندنافية شمال شرق أوروبا، ولكن أى كلام فى الموضوع سوف يبدأ من عند مستوى تعليمها الذى تقدمه لأبنائها وسوف ينتهى عنده أيضًا.
فليس سرًا أنها الدولة الأعلى تعليمًا من حيث جودة التعليم فيها، وإذا تصورنا أن سعادتها الممتدة من سنة إلى سنة منفصلة عن تعليمها، فسوف نكون مخطئين، وسوف يكون التشخيص خطأ من جانبنا، وسوف نكون مدعوين إلى مراجعة أنفسنا، لا لشىء، إلا لأنه من الواضح أن للتعليم الجيد فيها صلة مباشرة بسعادة كل فنلندى فى حياته.
فنلندا ليست الدولة الأغنى، ومع ذلك هى الأسعد، فلماذا لم تكن الدول الأغنى هى الأسعد؟.. هذا سؤال يضع أيدينا على المصادر الحقيقية للسعادة فى حياة الشعوب.
ولكن لماذا التعليم على وجه التحديد هو مصدر السعادة؟.. هل لأن الإنسان المتعلم جيدًا يشعر بأنه متحقق فى مجتمعه، وبالتالى، يمنحه هذا الشعور سعادته فى الحياة؟.. هل لأن التعليم- كما قالت دراسة علمية صدرت مؤخرًا- يطيل حياة الإنسان ويُحسن صحته؟.. هذا هو الأرجح لأن أهل التنمية البشرية يقولون إنه لا شىء يخلق شعورًا لدى المواطن بأنه شريك حقيقى فى ثروة بلده إلا التعليم الجيد.
كل يوم يتكشف لنا الجديد فى موضوع التعليم، وكل يوم يتكشف لنا أن هذا الجديد ليس جديدًا كما قد نتصور عند الوهلة الأولى، وأن القصة بسيطة للغاية، وأن بساطتها فيما تقوله لنا، وأن ما تقوله هو أن التعليم مفتاح كل شىء جيد فى حياة الشعوب والأفراد، وأن العكس صحيح تمامًا على طول الخط وعرضه، وأن كلمة السر هى فنلندا!.