بقلم: سليمان جودة
أغرب مفاوضات هى التى بدأت يوم ١٤ من هذا الشهر فى جنيف لوقف الحرب فى السودان بدعوة أمريكية!.هى الأغرب لأنها بدأت هناك ثم تواصلت دون حضور وفد عن الجيش أو عن الحكومة فى الخرطوم، وقد كان الطبيعى أن تشهد طاولة التفاوض حضور وفدين أساسيين، أحدهما عن الجيش أو الحكومة، وثانيهما عن قوات الدعم السريع، التى تقاتل الجيش منذ ١٥ إبريل قبل الماضى.. ولأن طرفًا حضر دون طرف، فلقد بدا الأمر وكأن الطاولة تقف على قدم واحدة!.. وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد حملت لواء الدعوة إلى إطلاق المفاوضات فى جنيف تحديدًا دون سبب مفهوم، فمن قبل دارت جلسات التفاوض فى جدة بحضور أمريكى، واتفق الطرفان على أشياء محددة، ولكن قوات الدعم تحللت منها ولم تلتزم بها!.
وكان الجيش ولا يزال يقاوم نقل المفاوضات إلى جنيف، ومن علامات مقاومته أنه امتنع عن الحضور، ولم يرسل أحدًا يمثله، ولا بد أن عنده مبرراته ومخاوفه، ولا بد أن من بينها شعوره بأن أهداف واشنطن من الانتقال إلى جنيف ليست خالصة لوجه الله ولا بالطبع لوجه السودان.
وعندما اعتذر الجيش عن عدم الحضور كان التوقع أن تتأجل المفاوضات إلى حين إقناعه بالحضور، ولكن إدارة الرئيس الأمريكى مضت فى طريقها وعقدت الجلسة الأولى وهى لا تبالى بغياب أحد الطرفين!.
ولا ينطبق على مشهد التفاوض بحضور طرف واحد إلا ما كان يُقال عن تفاوض حكومة عدلى باشا مع الإنجليز أيام الاحتلال فى مصر.. ففى ذلك الوقت اشتهرت مفاوضات حكومة عدلى مع الإنجليز بأن جورج الخامس، ملك بريطانيا، يفاوض فيها جورج الخامس!.
ولا شىء أكثر من هذا المعنى يمكن أن يُقال عن مفاوضات لوقف الحرب فى السودان يغيب عنها أحد طرفى الحرب.
وكان عبدالفتاح البرهان، قائد الجيش، قد قال إن الحل يظل فى داخل السودان قبل أن يكون فى أى مكان آخر.. وهذا صحيح مائة فى المائة.. لأنه لا أحد سوف يكون أحرص على السودان من السودانيين أنفسهم، ولأنه مع افتراض حُسن النية والمقصد فى أى طرف يتوسط ويريد أن يساعد فى وقف الحرب، فإن الأطراف الخارجية لا يخلو سعيها من أهداف خاصة بحكم طبائع الأشياء، ولا طرف يستطيع قطع الطريق على مثل هذه الأهداف إلا الطرف الوطنى نفسه.. وعندما أعلن وزير الصحة السودانى انتشار الكوليرا فى بلاده، فإنه كان يعلن ذلك ولسان حاله يقول ما كان الشاعر يردده حين قال: وما الحرب إلا ما قد علمتم وذقتم!.