بقلم: سليمان جودة
سوف يبدأ حجاج بيت الله الحرام فى العودة، وسوف تكون عودتهم احتفالًا فى كل بيت سافر فرد من أفراده إلى الكعبة ثم طاف حولها.
والذين نشأوا فى الريف أو ترددوا عليه، يعرفون أن احتفالات المصريين بالعائدين من الحج لا تنافسها احتفالات أخرى.. فلقد عاش أبناء الأرياف يحتفلون بزفاف الأبناء والبنات فى موسم جنى القطن، وكان هذا الموسم إلى وقت قريب يملأ البيت بالمال، وكان ذلك فى أكتوبر تقريبًا من كل سنة، وكانت الفلوس التى يقبضها الفلاح من توريد محصول القطن للدولة فرصة لتزويج الذين لم يتزوجوا من الأبناء والبنات.
وكانت احتفالات الزفاف فى الكثير من بيوت الفلاحين تصاحب هذا الموسم وترتبط به، لأن القطن وحده هو الذى كان يضع مبلغًا محترمًا من المال فى يد المُزارع الذى حصد عائد عمله طول السنة.
ولكن احتفالات العودة من عند النبى عليه الصلاة والسلام كانت شيئًا آخر، لأن ملامح الاحتفال كانت تظل منقوشة على واجهات البيوت لسنوات.
كان الاحتفال يبدأ بدهان الواجهة من الخارج، وكان الدهان يتم باللون الأبيض الناصع، لأنه اللون الذى يبعث على البهجة والفرح.. وكانت المرحلة الثانية هى كتابة عبارات الترحيب بالحاج العائد على واجهة البيت، ولم تكن العبارات ترحب فقط، ولكنها كانت تذكر الحاج العائد بالاسم، وأحيانًا باسم ابنه الأكبر الذى ينادونه به فى كل المناسبات.
وكانت النقوش تُزين البيت من الخارج، وكانت إما صورة لسفينة تجرى فوق الماء، أو جمل يحمل صاحبه فى الطريق إلى الحج.. فالسفر لفترات طويلة كان بالجمل برًا، أو بالسفينة بحرًا، ولم يكن السفر بالطائرة قد انتشر بعد، فلما شاع وانتشر زاحمت الطائرة الجمل والسفينة على واجهات البيوت.. وفى مرحلة من المراحل أصبحت صورة الطائرة تسيطر على الجدران ذات اللون الأبيض واختفى الجمل ومعه السفينة.
وكان تبييض البيت وتزيينه بالنقوش بداية لمرحلة فى حياة الحاج العائد ونهاية لمرحلة.. فمن قبل كان أهل القرية ينادونه باسم ابنه الأكبر، ولكنه منذ لحظة العودة سوف يرتبط اسمه بلقب «حاج» على وجه التحديد، وسوف يظل مدى حياته يقال له «الحاج فلان».. أما فلان هذا هو اسمه شخصيًا، لا اسم الولد الأكبر بين الأبناء.