بقلم: سليمان جودة
حين كنت في منتدى أصيلة السنة الماضية، قابلت الكاتب السعودى هانى نقشبندى للمرة الأولى، وجلسنا نتحدث إلى ساعة متأخرة من الليل، وكان الذي جمعنا هو الكاتب الصحفى المغربى حاتم البطيوى.
كان نقشبندى كاتبًا وأديبًا، وكان صحفيًا قبل أن يتجه إلى الكتابة والأدب، وكان يرأس تحرير عدد من المجلات من بينها مجلة سيدتى، ومجلة الرجل، ومجلة المجلة، وكان محبًا للكلمة إذا تحدث وإذا كتب، وكان فوق هذا كله إنسانًا راقيًا.. ولأنه كان يقيم أغلب وقته في دبى، فإنه التحق بقناة المشهد بمجرد خروجها إلى النور، وراح يخاطب الجمهور من فوق شاشتها، بتشجيع ودعم من مديرها الأستاذ طونى خليفة.
تواعدنا في أصيلة على أن نلتقى إذا ذهبت أنا إلى دبى، فلما ذهبت إليها أحضر أعمال منتدى الإعلام العربى ٢٦ سبتمبر، كان هو قد مات قبلها بيوم!.
وفى أصيلة هذه السنة كان لا بد أن يكون حاضرًا بروحه، إذا كان قد غاب بجسده عن أصدقائه ومحبيه، وكان المنتدى قد دعا إلى جلسة عنه يتذكره فيها الذين عرفوه عن قرب، وتكلم ناقد الأدب الأستاذ شرف الدين ماجدولين، عن مدينة شفشاون المغربية البديعة التي ينتمى هو إليها، وروى كيف أن نقشبندى كان يستوحى أجواءها في رواية كان يكتبها، وكان يتصل به ليسأل عن تفاصيل دقيقة فيها.
وفى الجلسة عرض المنتدى فيلمًا تسجيليًا قصيرًا لبعض أطفال أصيلة.. فمن قبل كان نقشبندى يعقد لهم ورشة عمل في كل سنة، وكان يعلمهم فيها أصول الكتابة.. ولكنهم افتقدوه هذه السنة، ووقف عدد منهم يسأل عنه ويلتمسه فلا يجده فيظل يبكيه.
وكانت هذه لمسة من لمسات الوفاء في حق الرجل بذلها المنتدى وأطفال المدينة، وعلى مسافة أمتار من قاعة الجلسة كان هناك مكتب السيدة نعيمة المصمودى، مديرة مكتب الوزير محمد بن عيسى، أمين عام المنتدى، وهى سيدة يعرفها كل الذين ترددوا على أصيلة على مدى عقود من الزمان.. كانت من معالم المكان بلهجتها المغربية المُحببة، وكانت وكأنها رائحة من روائح مركز الحسن حيث تنعقد اللقاءات والندوات، ولكنها سبقت نقشبندى إلى العالم الآخر، فأخلت إدارة المنتدى غرفتها من كل شىء، إلا من المكتب وفوقه لافتة في حجم كف اليد تقول؛ مكتب المرحومة نعيمة المصمودى.. دعانى الشاب عادل أنوبية الذي كان يساعدها، لأرى اللافتة باعتبارها كل ما تبقى من صاحبة المكان، وعندما أشار إلى الغرفة الخالية من كل شىء إلا المكتب وفوقه اللافتة، كانت دموعه قد ملأت عينيه، ولم يستطع أن يتماسك فانصرف وهو يعتذر.
وفى الحالتين.. حالة نقشبندى وحالة المصمودى.. وجدت أنى أمام قيمة من قيم الوفاء في أصيلة الجميلة.