بقلم: سليمان جودة
قد يحدث الشىء فلا تكون له قيمة كبيرة، وقد يحدث الشىء نفسه فتكون له كل القيمة، لا لشىء، إلا لأنه جرى فى توقيت محدد، وفى القلب من أجواء معينة.
وهذا ما ينطبق على الإقرار الضريبى الذى تقدم به الرئيس الأمريكى جو بايدن وزوجته يوم الاثنين ١٥ من هذا الشهر.. فرغم أن بايدن قام بهذا الإجراء بانتظام منذ دخل البيت الأبيض فى يناير ٢٠٢١ خلفًا للرئيس ترامب، فإن الإجراء هذه السنة له معنى آخر.
والسبب أن ترامب كان فى يوم الاثنين ذاته يقف فى نيويورك أمام محكمة جنائية متهمًا فى ٣٤ قضية ذات طابع جنائى خالص، وكانت هذه هى المرة الأولى التى يقف فيها رئيس أمريكى سابق أمام محكمة من هذا النوع!.
ولا يمكن أن يكون بايدن قد اختار هذا اليوم تحديدًا دون قصد لأن اختياره من جانبه فيه خطاب مباشر مع الناخب الذى يخاطبه الاثنان، ويريد كل واحد منهما أن يحوز رضاه أمام صناديق الاقتراع فى 5 نوڤمبر المقبل. ومن الطبيعى أن هذا الناخب على امتداد الولايات المتحدة سوف يقارن بين المشهدين: مشهد مرشح رئاسى مثل ترامب يقف أمام المحكمة الجنائية متهمًا فى تزوير وثائق وأوراق، ومشهد مرشح رئاسى آخر يتقدم بإقراره الضريبى، ولا يُدارى عن الأمريكيين حقيقة دخله، ولا حقيقة دخل السيدة الأولى التى ترافقه فى البيت الأبيض.
ليس هذا وفقط، ولكن الناخب ذاته يعرف أن ترامب لم يتقدم بإقرار ضريبى طوال سنواته الأربع فى السلطة، وكان هذا التصرف من جانبه على خلاف كل الرؤساء الذين سبقوه فى مكانه منذ أن كان فى البلاد بيت أبيض!.
وهذه بدورها نقطة سوف تظل محسوبة فى ميزان بايدن، وسوف يوظفها هو ويظل يراهن عليها من هنا إلى يوم 5 نوڤمبر.
نتكلم، بينما لا يزال ترامب متهمًا، أى أنه برىء إلى أن تثبت إدانته، ولكن بايدن باعتباره المرشح المنافس لا يريد أن ينتظر إلى أن تقع الإدانة، وهو بتصرفه يفترض الأسوأ بأن يحصل الرئيس السابق على البراءة، ولذلك يبنى على ما أمامه، ويسجل أهدافًا فى مرمى الخصم دون انتظار لشىء قد لا يأتى، ويستغل كل ما يقع فيه المرشح الذى ينافسه.
السباق الرئاسى الأمريكى حافل بكل شىء، وهو ممتلئ بكل ما هو مشوق ومثير، والأهم أنه يقول للعالم إن الولايات المتحدة لم تصبح على ما هى عليه إلا على أساس، ولم تتسيّد الدنيا من فراغ لأنه لا شىء يأتى من فراغ.