ما بعد سكوت المدافع

ما بعد سكوت المدافع

ما بعد سكوت المدافع

 عمان اليوم -

ما بعد سكوت المدافع

بقلم: سليمان جودة

ربما يلاحظ الذين يتابعون جهود إطفاء النار في قطاع غزة، أن الأمل في البداية كان أن تتوقف الحرب، ثم أصبح أن تنعقد هدنة، ثم صار أن تتوصل الأطراف إلى تهدئة.

وأياً كان المسمى فالمهم أن يلتقط القطاع أنفاسه، وأن توضع نهاية للقتل فيه، ولا فرق بعد ذلك بين أن ترتسم هذه النهاية من خلال وقف المقتلة التي طالت بأكثر مما تخيل طرفاها، أو من خلال هدنة، أو من خلال تهدئة، فكل المسميات تؤدي إلى طريق واحدة، وهذه المقتلة الدائرة باتساع القطاع سوف تكمل شهرها الحادي العاشر في السابع من الشهر المقبل، إذا ما جاء هذا اليوم بينما القتل لا يزال يدور.

وسوف يأتي يوم قريب تتوقف فيه المدافع، وهو يوم لن يكون بعيداً، وربما يأتي موعده قبل أن ترى هذه السطور النور، لا لشيء، إلا لأن الحرب في القطاع لم ترهق طرفيها وفقط، لكنها أرهقت معها العالم بامتداده وأتعبته.

ولأن الأمر كذلك؛ فالسؤال سوف يظل عما بعد أن تتوقف المدافع، وعما سيكون على كل طرف أن يفعل، وسواء كان هذا الطرف هو الفلسطيني، أو الإسرائيلي، أو حتى الأميركي باعتباره الطرف الذي سيكون عليه أن يرعى مرحلة ما بعد الحرب.

ونحن نعرف أن رسول الإسلام - عليه الصلاة والسلام - كان قد عاد من الحرب ذات مرة، فقال وهو يخاطب أصحابه: عُدنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر. فلما استفسره أصحابه عما يقصده بالجهاد الأكبر قال: إنه جهاد النفس.

وهذا تقريباً هو ما سوف يكون على الطرفين المتقاتلين أن يذهبا إليه، وما سوف يكون أيضاً على الطرف الراعي أن يواصله كما كان قد بدأ فيه مرات من قبل.

سوف يكون على الطرف الفلسطيني أن يذهب إلى جهاد النفس، وسوف تكون أولى خطوات هذا الجهاد أن يلتقي أبناء الضفة وأبناء غزة على كلمة واحدة، وأن يدركوا معاً أنه لا أمل في شيء إذا بقيت الضفة هناك وبقيت غزة هنا، وبينهما ما يشبه الانقسام والانفصال. لقد تعاهدوا من قبل على أن يلتقوا وعلى أن تنقضي حالة الانقسام بين الضفة والقطاع، وكان التعاهد مرة في مكة المكرمة، ومرة في الجزائر، ومرة في موسكو، ثم مرة أخيرة في بكين، وفي هذه المرات وغيرها غابت الترجمة العملية للتعاهدات كلها ولا تزال.

الجهاد الأكبر في غزة والضفة معاً، هو توطين النفس على أن البداية من هذا الجهاد على وجه التحديد؛ لأن إنجاز أي شيء للقضية في فلسطين، لا في غزة وحدها أو في الضفة وحدها، مرهون بالقدرة على هذا النوع من الجهاد وعلى النجاح فيه.

إن ما بعده سهل ويدخل في عداد التفاصيل، وربما لهذا السبب سارعت صحف إسرائيلية تنقل عن مسؤولين في تل أبيب قولهم، إنهم لن يسمحوا بذهاب الرئيس محمود عباس إلى غزة، وإنه إذا ذهب فلن يكون ذلك في المستقبل القريب. كان عباس قد أعلن أثناء خطابه أمام البرلمان التركي في 15 من هذا الشهر، عزمه الذهاب إلى غزة برفقة القيادات الفلسطينية، ولم يكن قد قال كيف ولا متى؟ لكن التسريب الذي نشرته الصحف الإسرائيلية يقول إن إسرائيل لا يسعدها ذهابه؛ لأنها تخشى بينها وبين نفسها أن يكون مثل هذا الذهاب بدايةً في اتجاه الجهاد الأكبر بالمعنى المشار إليه.

أما الإسرائيليون فسوف يكون جهادهم الأكبر على مستوى آخر، وسوف يكون هذا المستوى هو مدى اقتناعهم بأن الحرب ليست حلاً، وأنهم قد جرّبوها على مدى ما يزيد على عشرة أشهر واكتشفوا هذا بأنفسهم، وأنه ليس من الممكن تغيير حكم الجغرافيا الذي جعل فلسطين في هذا الموقع من على خريطة العالم، وأن الدولة العبرية إذا كانت قد جاءت تزاحم الدولة الفلسطينية على الخريطة، فلا مجال لإزاحتها من خريطتها، ولا بد من وجود لها على أرضها، لا بد.

وأما جهاد الأميركيين الأكبر فسوف يظل يدعوهم إلى أن يرعوا حلاً بالروح التي رعت بها من قبل إدارة جيمي كارتر أو إدارة بيل كلينتون مبادرات للسلام.

ربما يكون من سوء الحظ أن الإدارة الأميركية الحالية لن تكون متحمسة بالقدر الكافي لرعاية من نوع ما قام به كارتر أو كلينتون، فهي إدارة راحلة في المدى الزمني المنظور، ولا شيء يشغلها من هنا إلى أول السنة المقبلة الذي ستغادر فيه البيت الأبيض إلا لملمة أوراقها، وليس فيما تمارسه منذ جاءت إلى مواقع الحكم ما يدل على أنها ترغب في أن تترك وراءها ما نذكره بها كما نذكر إدارة كارتر أو إدارة كلينتون.

وعندما يتلخص واقع الحال في إدارة تتهيأ للمغادرة، وأخرى لا نعرفها تتأهب للمجيء، فإن الجمود من جانب واشنطون في قضية كقضية فلسطين يبقى هو سيد الموقف. وإلى أن نتعرف على اسم ساكن البيت الأبيض الجديد، سيكون على الطرفين المتقاتلين أن يمارسا الجهاد الأكبر في إطاريهما، وسوف تكون هذه الممارسة مما يغري ساكن البيت الأبيض الجديد ليتقدم فيقدم ما سوف عليه أن يقدمه إذا شاء.

ما بعد سكوت المدافع لن يكون كما الحال قبل سكوتها، ومن دواعي الاختلاف أن يبادر كل طرف إلى ممارسة مقتضيات الجهاد الأكبر الذي يخصه، وإلا، فإن المدافع ستكون مرشحة لأن تتكلم من جديد.

 

omantoday

GMT 19:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

قرن البولندي العظيم (الجزء 1)

GMT 19:54 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الوفاء غائب ولغة التخوين والحقد حاضرة

GMT 19:53 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حين ينهار كلّ شيء في عالم الميليشيا

GMT 19:52 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

العُلا... لقطة من القرن الثامن

GMT 19:51 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الرفاق حائرون... خصوم ترمب العرب

GMT 19:49 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

التوسع والتعربد

GMT 19:48 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

أميركا دونالد ترمب

GMT 19:47 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا طاح الليل...

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما بعد سكوت المدافع ما بعد سكوت المدافع



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 20:07 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مُبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F
 عمان اليوم - علاج جيني مُبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 14:38 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab