بقلم - سليمان جودة
عاشت نعمت شفيق نموذجًا للمصرى الناجح خارج بلاده، وكانت على رأس مؤسسات كبرى لا يصل إليها هناك إلا صاحب كفاءة.
كانت نائبة لمحافظ البنك المركزى الإنجليزى، ومع خطورة وحساسية مثل هذا المنصب، إلا أن الإنجليز لم يجدوا مانعًا من وجودها فيه، لا لشىء إلا لأن كفاءتها كانت تغفر لها، ومن البنك المركزى ذهبت فجلست على رأس مدرسة لندن للاقتصاد، التى لا تزال أعلى كلية لتدريس الاقتصاد فى العالم.. ثم جاء عليها وقت انتقلت فيه من لندن إلى نيويورك، حيث ترأست جامعة كولومبيا الأمريكية هناك ولا تزال.
وقد عاشت تشتهر إعلاميًّا بأنها «مينوش» أكثر منها نعمت شفيق، ربما لأن الاسم الأول مناسب أكثر فى النطق باللغات الأجنبية لدى الغرب.
ولم يكن أحد يتوقع ألّا تبالى «مينوش» بتاريخها هذا كله، وألّا تجد مشكلة فى أن تدوس فوقه، وهى على رأس الجامعة الأمريكية.. والقصة أن طلابًا فى الجامعة خرجوا فى مظاهرة داخلها يؤيدون الحق الفلسطينى، ويرفضون الإبادة التى تمارسها إسرائيل فى حق الفلسطينيين، فتم توقيف ١٠٠ منهم عن طريق الشرطة، وجرى فصل عدد آخر، ومن بين الذين تم فصلهم ابنة إلهان عمر، نائبة مجلس النواب الأمريكية، ذات الأصل الصومالى.
وكان لا بد من وقوف «مينوش» أمام لجنة تحقيق فى مجلس النواب، وحين استدعوها قالت إن خروج المظاهرات المؤيدة لفلسطين فى الجامعة يحمل مشاعر تعصب وعداء ضد اليهود، وإنها لا تمانع فى التحقيق مع الطلاب الذين يفعلون ذلك، ولا مع الأساتذة الذين قد يتعاطفون معهم!!.. وهكذا خذلت طلابها وأعضاء هيئة التدريس الذين تعاطفوا مع الطلاب، ولم تنتبه إلى أن هذا الموقف لن يغفره لها أحد، وأنه يهدم ما عاشت تبنيه فى حياتها من قبل.
بالطبع كانت تتخذ هذا الموقف وأمامها رأس الذئب الطائر، وكان رأس الذئب أمامها رأسين وليس رأسًا واحدًا لأن رئيسة جامعة هارڤارد الأمريكية وجدت نفسها مجبرة قبل أسابيع على الاستقالة، لا لشىء إلا لأنها قالت إن خروج طلاب جامعتها تأييدًا للفلسطينيين حق أصيل من حقوق حرية التعبير، وكذلك وجدت رئيسة جامعة بنسلڤانيا أنها مجبرة على الاستقالة لذات السبب.
وقد كان فى مقدور نعمت شفيق أن تلحق بهما، فتبنى على ما أنجزته فى حياتها، وكان فى إمكانها أن تنحاز إلى طلابها وأساتذتها، فيطول عنقها إلى عنان السماء، ولكنها فضلت حماية رأسها، ولم يهمها تاريخها فى شىء، فبددته عن آخره فى لحظة