سيزيف فى السودان

سيزيف فى السودان

سيزيف فى السودان

 عمان اليوم -

سيزيف فى السودان

بقلم: سليمان جودة

إذا كنت تتابع الحرب التي تدخل شهرها العاشر في السودان، منتصف هذا الشهر، فسوف تشعر وكأن سيزيف اليونانى قد بعثه الله بين السودانيين هناك!. ففى ثانى أيام هذه السنة الجديدة، كان الدكتور عبدالله حمدوك، رئيس وزراء السودان السابق، قد التقى في إثيوبيا مع محمد حمدان دقلو، الشهير بـ«حميدتى».. وفى خلال اللقاء جرى توقيع اتفاق يؤدى إلى وقف الحرب.
الحرب تدور منذ ١٥ إبريل بين الجيش الذي يقوده عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع التي أنشأها سيئ الذكر، عمر البشير، ويقودها حميدتى.. وعلى مدى ما يقرب من الأشهر التسعة، جرى تدمير الكثير من المنشآت السودانية، وتشريد الملايين، وتبديد الكثير من ثروات البلاد، وأسر المئات على الجانبين، فضلًا بالطبع عن القتلى والجرحى والمصابين.

وكان الأمل أن يكون الاتفاق بين حمدوك وحميدتى بداية لأن يلتقط السودان أنفاسه، وأن ينجو من المصير الذي يبدو أنه ذاهب إليه لو دامت هذه الحرب.. ولكن.. ما كاد حمدوك يعود إلى بلده، حتى كان البرهان قد قال إنه مستمر في قتال العدو حتى: ينتهى.. أو ننتهى نحن!.

وكان هذا معناه أن الاتفاق الموقّع صار كأن لم يكن، وأنه بدلًا من أن يمنح السودان فرصة الحياة، فإنه أعطى الحرب دفعة جديدة، وأمد نارها بوقود جديد، وأصبح على السودانيين، الذين تم قذفهم بالبراميل المتفجرة خلال الأيام الماضية في مدينة ود مدنى وفى غيرها، أن يهيئوا أنفسهم لبراميل أخرى سوف تتساقط عليهم من سماوات البلاد!.

وسوف تشعر من خلال فشل الاتفاق، ومن خلال فشل محاولات كثيرة مثله كانت سابقة عليه، أن هناك مَنْ ينفخ في نار الحرب بين الطرفين من وراء ستار، وأن أطرافًا في المنطقة وفى الإقليم وفى خارجهما يسعدها جدًّا أن يكون هذا هو حال السودان الغنى بكل الثروات.. هو غنى فعلًا بكل الثروات، ويكفى أن عنده الماء المتدفق في النهر الخالد مع الأرض الخصبة الممتدة.. ولكن أهله مُشرَّدون في غالبيتهم منذ بدء القتال، أو هائمون على وجوههم في المساحات التي لم تصل إليها الحرب بعد، أو لاجئون في دول الجوار، أو مُهدَّدون بالجوع والعطش والموت!.. والذنب ليس ذنب هذه الأطراف، التي قد نستطيع التعرف على بعضها من سياق الأحداث، ولكن الذنب هو ذنب الطرفين السودانيين، اللذين يخوضان الحرب ويجد أي طرف خارجى آذانًا صاغية لديهما.

كان سيزيف صاحب أسطورة في اليونان القديمة، وكانت الآلهة قد قضت عليه بأن يرفع صخرة إلى رأس الجبل، وكان كلما رفعها انزلقت منه إلى السفح فعاد يرفعها ويدفعها من جديد.. وهكذا.. وهكذا.. بغير نهاية لمحاولاته ولا لانزلاق الصخرة من رأس الجبل!.

ولا فرق في الحقيقة بين سيزيف وبين كل سودانى يتابع جهود وقف الحرب، ويتعلق بها، فيكتشف في كل مرة أنه يعود إلى المربع الأول، ويجد نفسه ممسكًا بالهواء.. ولكن هذا لا يمنعه من أن يظل يحاول كأنه سيزيف.

omantoday

GMT 19:41 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

مجالس المستقبل (1)

GMT 19:20 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

البحث عن مقبرة المهندس إيمحوتب

GMT 15:41 2024 الأحد ,14 تموز / يوليو

موسم انتخابى كثيف!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سيزيف فى السودان سيزيف فى السودان



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 20:07 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مُبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F
 عمان اليوم - علاج جيني مُبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 14:38 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab