بقلم - سليمان جودة
جمعنى لقاء رمضانى مع الفنان فاروق حسنى، والدكتور مصطفى الفقى، والدكتور زاهى حواس، فكان اللقاء على مستوى القمة.
فالفنان فاروق حسنى رجل صاحب خيال، قبل أن يكون وزيرًا للثقافة لسنوات طويلة، واستطاع بخياله أن يقدم فى منصبه ما لم يقدمه كثيرون ممن تتابعوا قبله وبعده على المنصب، وقالوا عنه إنه الأهم فى قائمة وزراء الثقافة بعد ثروت عكاشة، ولم يكونوا يبالغون فى شىء من ذلك.
ولأنه فنان فلقد كان يمارس عمله وزيرًا بمنطق الهاوى لا المحترف، وقد ظل يفعل ذلك الى أن صار محترفًا من الطراز العالى، وكان يدرك أنه يدير وزارة صناعتها الوعى، وأن الوعى لوحة، وكتاب، ومسرحية، وتمثال، وأغنية، وفيلم، وتمثيلية، وأن ذلك كله يتكامل ولا يتقاطع مع بعضه البعض، فعاش يعمل من مكانه على أساس من هذا الإدراك.
وكاد أن يصبح وزيرًا لثقافة العالم حين رشح نفسه مديرًا لمنظمة اليونسكو فى باريس، فهى المنظمة المعنية بالتربية والثقافة والعلوم فى أنحاء الأرض، لولا أن مسوغات شغل هذا الموقع لا تزال سياسية أكثر منها ثقافية.. لقد صح منه ومنا العزم ولكن الدهر أبى.
ولا ينطبق شىء على الدكتور الفقى، إلا المثل الذى يقول إن «الديك الفصيح يطلع من البيضة يصيح»، وقد كان كذلك منذ الصغر، ثم عندما التحق طالبًا فى كلية العلوم السياسية، وقد سمعت عنه شيئًا من هذا ذات يوم، من الدكتور أحمد الغندور، عميد الكلية الباشا، كما كان طلاب الكلية وخريجوها يُطلقون عليه.. ولا يزال الدكتور مصطفى يكتب كما يتكلم، ولا تزال عبارته سلسة فى الحالتين، ولا يزال قادرًا على أن يصوغ جوانب من خبرته الطويلة دبلوماسيًا، وبرلمانيًا، وسياسيًا، فى لغة سهلة يستوعبها القارئ من أول أستاذ الجامعة الى البائع الجالس على الرصيف.
أما الدكتور حواس فهو الذى يتعامل مع كل قطعة أثرية فى المحروسة بمنطق المحب العاشق، لا الموظف المسؤول عن الآثار، حتى ولو كان قد تدرج فى الوظيفة إلى أن أصبح وزيرًا مسؤولًا عن كل أثر فى البلد.. ولا أزال أذكر أنى حاورته فى قناة دريم أيام ما لا يزال يُسمى بالربيع العربى، وكان على رأس الوزارة المختصة وقتها، فبكى مما أصاب آثارنا فى غمرة ما جرى فى تلك الأيام!.. ولم تمتلئ عيناه بالدموع يومها إلا لأنه كان أدرى الناس بحجم الضرر الذى ألحقه «الربيع» بالآثار فى المتاحف وخارجها.. وقد رأيته يتكلم عن آثارنا فى محافل دولية، فكان كمن يتحدث عن أبنائه، وكان قادرًا على أن يجعل مستمعيه على موجة واحدة من الإرسال والاستقبال.
يلتقى الثلاثة على مائدة واحدة فتجتمع الثقافة بمعانيها الشاملة، وتجلس إليهم معًا فتشعر أن نفط مصر هو عقول أبنائها.