بقلم : إنعام كجه جي
يتحرش مئات الآلاف من الرجال بالنساء كل يوم، شرقاً وغرباً، ولا عين ترى ولا أذن تسمع. لكن أنظار العالم كله تركزت على المواطن الفرنسي دومينيك ستروسكان، عندما فعلها في غرفة فندق أميركي. إنها القضية التي اكتمل فيها كل أركان الخبر الفضائحي، كما يجري تعريفه لطلبة الإعلام: أن تجتمع فيه عناصر الشهرة والمال والجنس. وقد جمع المتحرش «المجد» من أطرافه. فهو كان مديراً لصندوق النقد الدولي، وسياسياً واسع النفوذ مرشحاً قوياً للرئاسة في بلده، وقد اعتدى على خادمة فقيرة سوداء لا حول لها ولا قوة. وزاد من هول الخبر في فرنسا أن المفضوح متزوج من الصحافية ونجمة برامج الحوار السياسي آن سنكلير. سيدة جميلة يخطب كبار القوم ودها ويسعون للظهور في برنامجها، وهي تختار من تشاء.
قبل أيام ظهر في «نتفليكس» فيلم وثائقي عن تلك القضية. واستضاف المخرج الخادمة الأفريقية المجني عليها، بينما رفض الجاني المشاركة في الفيلم الذي تصدر أرقام المشاهدة. وها هو المتهم يقرر الخروج عن صمته بعد ثماني سنوات على الحادث، وذلك من خلال فيلم مضاد عنوانه: «الغرفة 2806». ونشر ستروسكان تغريدة قال فيها إن الجميع تحدثوا بالنيابة عنه، وحان الوقت لكي يقول كلمته. والحقيقة أن القضية أصبحت طبقاً بائتاً. ما الجديد الذي لم يُنشر عما حدث في غرفة فندق «سوفياتيل» في نيويورك؟ ثم إن الصحافة أتحفتنا، في السنوات المنصرمة، بفضائح جنسية وسياسية أدهى. ومهما قال الرجل ودافع وقدم من تبريرات فلن يستطيع أن يمحو تلك الصورة الرهيبة التي تصدرت الصفحات الأولى من صحف العالم. صورته والشرطة تقتاده إلى السجن مكبل اليدين أشعث الشعر مثل أي بلطجي.
خسر ستروسكان وظيفته المرموقة وتبخر حلمه بالرئاسة. اعتزل السياسة وطردته زوجته من البيت. وهي كانت، في بداية القضية، تسانده وتدافع عنه ضد «الفخ» الذي نصبه خصومه له. باعت لوحات ثمينة ورثتها من جدها تاجر الأعمال الفنية وجاءت له بأشهر المحامين. دفعت ملايين الدولارات للفلفة القضية بالتراضي. ولم تكن آن سنكلير بالسيدة الغشيمة. فقد وصلتها الأقاويل عن «الخفة العاطفية» لزوجها، لكنها تغاضت وغفرت له خيانات عابرة. كانت تنتظر أن تدخل «الإليزيه» متأبطة ذراعه وتصبح سيدة فرنسا الأولى. لكن الفضيحة الكبيرة تفتقت عن شقوق صغيرة. وظهرت نساء أخريات تحدثن عن تحرشاته بهن. ونشرت صحافية شابة كتاباً عن علاقتها معه ووصفته بأنه كان «خنزيراً» مع النساء. يفقد رصانته وينقلب إلى وحش أمام أي تنورة.
ماذا يريد الرئيس السابق لصندوق النقد الدولي وقد بلغ الحادية والسبعين من العمر؟ لا أحد ينكر أنه عقل اقتصادي ما زال يشتغل جيداً. ولعله ينوي العودة إلى قيادة الاشتراكيين الذين فقدوا زعامة يعوّل عليها. لذلك يشرح في تغريدته أنه سيطرح في الفيلم «مقترحاته بشأن المستقبل» الذي ينتظر الفرنسيين. وقد أثبت الفرنسيون أنهم شعب متسامح مع الرؤساء خفاف القلوب. لكن في حالة دومينيك ستروسكان فلا بد من احتياطات وقائية مسبقة. فإما أن يجري استبعاد النساء من محيطه ومنعهن من الاقتراب من دائرة محيطها كيلومتران، أو أن يخضع الرئيس المحتمل لعملية إخصاء، كما يحدث مع المدانين بتكرار جرائم الاغتصاب.