بقلم: إنعام كجه جي
كان الإعلان مغرياً مثل ريشة طاووس تداعب وجنات القراء وتأخذ بأيديهم إلى دنيا الخيال. حطّت الصورة على شاشات هواتفهم ذات مساء رائق. دعوة لقضاء ليلة من ألف ليلة والمبيت في بقعة مريحة باذخة تجاور السحاب.
إعلان يستهدف سائحاً ذا مزاج عالٍ وجيب عامر. تعال وعش تجربة ربيعية استثنائية في غرفة تقع في الطابق الثالث والأعلى من برج «إيفل» في باريس؛ أي على ارتفاع 276 متراً.
يحاول القراء التأكد من الخبر. يبحثون في الشبكة ويجدونه منشوراً على موقع الشركة التي تدير الصرح السياحي الأكثر زيارة في العالم. هناك فرصة تتيح لمستأجر الغرفة، سواء كان وحيداً أو مع رفيق أو رفيقة، أن يعيش ليلة مثيرة ونادرة، لا ينالها سوى من كان من أصحاب الحظ السعيد. سيتمكن من التمتع بمنظر العاصمة الفرنسية من علٍ. سيتفرج عليها من كل الجهات ويطلّ على سطوح مبانيها وفوهات مداخنها. هناك تلّة مونمارتر من النافذة الشمالية، وبرج مونبارناس من النافذة الجنوبية. وكاتدرائية نوتردام من الشرقية، وناطحات السحاب الحديثة من الناحية الغربية. وهو لن يكون في منطاد أو طائرة، ولا متدلياً من مظلّة، بل واقف على أرض حديدية صلبة، أو مستلقٍ على فراش واسع ووسائد من ريش النعام.
يخبرك الموقع الرسمي للشركة أن تجهيز الغرفة استغرق أسابيع من الترميم والتأثيث. وهي كانت في الأساس شقة مخصصة للمعماري الفرنسي غوستاف إيفل، المهندس الذي أشرف على بناء البرج. لكنها بشكلها الحالي تقدم فرصة لمواطن عادي أن يعيش وقتاً خرافياً يراوح ما بين التاريخ والحداثة.
جدران المكان زجاجية بالكامل. الروعة في تجديدها الجمع بين أثاث عصري مريح مع لوحات وقطع فنية تعود لزمن قد مضى. وأشرفت على العمل مهندسة معمارية أميركية شهيرة جداً «أعادت ابتكار المكان» حسب الوصف المذكور في الإعلان. ولن يكتفي صاحب الحظ السعيد بالفرجة ومتعة المبيت في قمة البرج، بل سيحصل على وجبة طعام فاخرة، وتتألف من سمكة كبيرة كاملة!
يشعر القراء بالذنب لأن ثقافتهم العامة ناقصة. فهم لم يعرفوا أن مهندس البرج احتفظ لنفسه بشقة في طابقه العلوي. كما أنهم لم يسمعوا باسم المهندسة الشهيرة. يبحثون عنها في «غوغل» ويكتشفون أنها ماتت قبل ثلاث سنوات. هل صممت الغرفة وجددت أثاثها وهي على فراش الاحتضار؟ ليكن. ليس هذا وقت حلّ الألغاز. المهم معرفة الثمن المطلوب لتلك الليلة التي لا تقدّر بثمن. لكن القارئ لا يجد الجواب. وسيفهم أن الفرصة من دون مقابل؛ أي بالمجان، تقدمها بلدية باريس لمن يظهر اسمه في قرعة متاحة للجميع.
هناك أمر غامض في هذا كله. وهو أجمل من أن يكون حقيقة، كما يقول المثل الفرنسي. وسيحاول كثيرون تسجيل أسمائهم وعناوينهم وأرقام هواتفهم في لائحة المتقدمين للقرعة. أين لائحة التسجيل؟ يعيدون قراءة النص ثانية وثالثة ولا يهتدون لما يبحثون عنه. لكن جملة مموّهة في ذيل الإعلان تخطفهم من خيالاتهم وتخسف بهم الأرض: وجبة العشاء الشهية ستكون مؤلفة من سمكة أبريل... وهو التعبير الفرنسي لكذبة نيسان!
حلم يستغرق دقائق من أمل لذيذ ثم ينتهي بإحباط. هل يُعقل أن يبلغ البرج الثقيل من الخفّة حد المشاركة في خداع المواطنين؟