بقلم : سمير عطا الله
شاباً، كنت أنتقد الألمان باستمرار. شعب لا يبتسم. ليس لديه كوميديون. يعمل ولا يرتاح. شعب يستطيع أن يعبئه العريف أدولف هتلر لخوض حرب عالمية. وكان الملحق الصحافي الألماني في بيروت، الهر كوبتز، يشكوني إلى غسان تويني. وغسان تويني يجيب: نحن لا نتدخل في عواطف محررينا، وهذا رأيه، لا رأي الجريدة.
عندما نضجت قليلاً أصبحت أرى الوجه الآخر من «العبقرية الألمانية». غوته وبيتهوفن يتنزهان معاً في بادن بادن. الشعب التدميري في الحرب يعيد بناء مدنه حجراً حجراً. الشعب العبوس يبني اقتصاداً مفرحاً ومدهشاً. الشعب الذي عاش أسوأ تجارب الحروب بنى أنجح تجارب السلام. وكتب أجمل روايات البؤس والألم. وتقدم في الصناعة جميع الشعوب والدول الأخرى.
أعطى الألمان درساً آخر للعالم في مواجهة «كورونا»: 9 آلاف وفاة في بلد سكانه 83 مليوناً؛ مقابل 43 ألف وفاة في بريطانيا، حيث السكان 67 مليوناً. لقد أعجب الألمان بأدائهم بحيث أدخلوا على اللغة فعلاً جديداً: «يمركل»، أو «تمركل»، أو «المركلة».
عندما قيل إن أنجيلا ميركل سمحت بدخول مليون لاجئ سوري، خاف الناس أن تقع البلاد في كارثة. مع نهاية السنة المدرسية الحالية، كان أبناء اللاجئين هم الأوائل في الامتحانات. لقد تَمَرْكَلُوا. ساعدت المؤسسة الألمانية مليون بشري في تعلم اللغة لكيلا يظل غريباً، وفي العثور على مسكن لكيلا يظل مريراً، وفي العثور على وظيفة لكي يشعر بأنه آمن.
تلك هي «التجربة الألمانية». لا وقت للإضاعة. والكارثة الكبرى تواجه بفكر كبير. لذلك، كانت ألمانيا أول من أعلنت الإغلاق العام، وأول من أعلن الفتح الجزئي. فالمطلوب قهر الوباء لا قتل الاقتصاد. بينما كان رؤساء الدول الأخرى يستخدمون أسلوب الكلمات المتقاطعة في البحث عن حلول: من ترمب إلى جونسون. وأما عبقري البرازيل بولسونارو الذي قال إن شعبه محصن ضد «كورونا»، فقد انتهى مصاباً هو أيضاً، وانتهى شعبه مزروعاً بالفيروس الرهيب.
إذا كان لدى جنابكم الوقت لذلك، حاولوا أن تستعيدوا أقوال ومواقف الرسميين حول العالم منذ بداية الكارثة. أنا كنت دوماً أنتظر ظهور السيدة ميركل. كم تنفع جدية الألمان في مثل هذه اللحظات هائلة الغموض، هائلة المسؤولية. أنجيلا ميركل في ألمانيا وجاسيندا أرديرن في نيوزيلندا وكاترين جاكوبستودير في آيسلندا. ما أعظم القيادة في الزمن الصعب: طريق الخلاص وطريق الانتحار. منذ أن ساعد الألمان لينين في العودة إلى روسيا، لا يزالون يتقدمون عليها. وقد أرسلوا إليهم كاترين الكبرى؛ أعظم قياصرتهم وأجمل الإمبراطورات، والباقي شؤون خاصة.