بقلم:سمير عطا الله
ثمة شيء لا اسم له: شيء من أشياء الحياة وإثاراتها وغموضها وألوانها ومتعها وتعقيداتها. ربما عثرنا له في نهاية السرد على عنوان ما، أو إشارة. ولكن أولاً، الوقائع:
يقع شارل الثالث، ملك بريطانيا بين أشهر امرأتين في تاريخ الإمبراطورية. الأولى، والدته، إليزابيث الثانية، التي تسحر بريطانيا والعالم، من عمر الصبا إلى امتداد الشيخوخة. يدوم ملكها طويلاً، مثل فيكتوريا. ويقال إن ابنها لن يرى التاج.
هناك المرأة الأخرى، زوجته الأولى ديانا، خطفت منه ومن حوله جميع الأضواء. وأصبح، بالمقارنة مع وهجها حول العالم، رجلاً معزولاً. وعندما ماتت، ملأ وداعها العالم، بينما نفرت منه الناس ومن المرأة التي أحبها حقاً، وأصبحت زوجته الثانية، وملكته أيضاً. بل، الملكة.
لكن تشارلز الثالث لا يزال في ظل الأم، ومنسياً في ذكرى الصبية ذات الابتسامة الساحرة. في أدب وخبث ترفض بريطانيا أن تعطيه شيئاً من الولاء الذي أعطته لأمه. يتنقل في الاحتفالات ولا تخرج الجموع إليه. يرفع يده بالتحية الملكية، ويرفض الناس أن يعربوا عن الحماس والمحبة والولاء. علاقة مهذبة وباردة. ولكن من دون هتاف حار بحياة التاج.
صعب ألّا يكون صاحب التاج شعبياً، غارقاً في محبة الناس. وعندما تراقب تشارلز الثالث، تلاحظ أنه يعاني في داخله متلازمة سوء الطالع، وعقدة الرجل الذي كان يحلم بالعوم في بلاد بحار الجماهير. أين هي الجماهير التي اعتادت رفع التحية إلى والده، الدوق الشديد الأناقة، أو التي تهتف لوالدته، التي يشعر الناس جميعاً بأنهم تحت قبعتها، ولو غيّرت تلك القبعة الساحرة كل يوم؟
لا أعرف ماذا تسمى حالة ملك البريطانيين. وأنا، كواحد من مواطنيه لم «أحب» زوجته الأولى إطلاقاً. ولكن لم «أحبه» هو أيضاً. ولا زوجته الثانية. ولا ابنه هاري وزوجته. لا تعني لي شيئاً حياة وأخبار الناس الذين يعيشون للأضواء الفارغة. أنا، كانت لي منذ اللحظة الأولى للوصول إلى لندن، صاحبة الجلالة إليزابيث الثانية، السيدة المحافظة التي تحمي مهابة المُلك ووداعة الأمومة. كانت هالتها تغطي كل نقص في سياسة بريطانيا، وكل خوف على وحدتها. وعلى رغم أنها بلا صلاحيات، كانت ترمز إلى أقوى قوة في البلاد. عوّدتنا إليزابيث الثانية، على أننا غرباء، ووافدون.
تظلم الناس الشخصيات العامة دون سبب. تظلمها من بعيد، وغالباً لأسباب سطحية. منذ عقود وتشارلز الثالث يحاول التودد إلى قلوب الناس. ومنذ عقود وأمه تقف في وجهه. حتى بعد غيابها.