بقلم:سمير عطا الله
يُلقّب الدكتور محمود شمام الزميل سالم الكبتي بأنه «ذاكرة ليبيا». في كتابه الجديد «قمر جنوب السماء» يروي صاحب الذاكرة وحارسها، تاريخ بلد عاش في الازدهار والفقر، الاستقرار والخوف، الوحدة والتفتت.
بلد يطمع الجوار في شيء من أراضيه، أو يدعو فريق آخر إلى ضمه مرة واحدة على طريقة العراق والكويت. ولا يبرئ «صاحب القمر» الشعب الليبي نفسه من الأخطاء والانحرافات، مؤكداً دائماً على الدور الأبوي الذي لعبه الملك إدريس السنوسي في توحيد ليبيا، ثم في تدعيم الوحدة والألفة والقربى بين الناس.
تبدأ سردية الكبتي مع التاريخ في المرحلة الفرعونية، وصولاً إلى ما هي ليبيا الآن. سرد جميل جذاب يطغى فيه الأسلوب أحياناً على الوقائع. وواضح من الأسلوب الجذل والشفّاف مدى تأثر الكاتب. وبنموذجه الأدبي الساحر الصادق النيهوم، الذي شكّل مفترقاً في الفكر والثقافة والحداثة الليبية.
في أحد فصول الكتاب يرسم الكبتي صورة بسيطة لما كان عليه خلف السنوسي: «غابت الشمس. وهاجرت الطيور. وسبتمبر (أيلول) اقترب، ثم وقع. انزوى الملك في مستقره الجديد. ظل صامتاً طوال كل الأعوام التي قضاها لاحقاً في مصر. محاولة من النظام الجديد لاغتياله على الطريق الزراعي بين القاهرة والإسكندرية عام 1972 فشلت. لم يقابل السباب والشتم بالمثل. ظل صامتاً. لم يكتب مذكراته. لم يدلِ بتصريحات للصحف والإذاعات. وكلهم تركوه وحيداً».
لكن ماذا عن المرحلة المقابلة، ماذا حدث للدولة التي «راعت مصالح الجميع في كل الأحوال»؟ إليك ما حدث «... وأضحت الرائحة الليبية تفوح في كل المشاكل على وجه الأرض. وكثيراً ما أضحت ليبيا مدعاة للقلق بسبب التدخل في شؤون الآخرين. الحروب والنزاعات. الأمور الداخلية للغير، وحشر الأنف وسطها. كل ذلك شوه من سمعة ليبيا وأبنائها. صورة قديمة تلطخت بالتدخلات والمؤامرات...».
يعيد الكبتي الاعتبار إلى موجة من الأدباء والمفكرين والروائيين الكبار الذي مَنع الأديبُ والقاص الأكبر ذكر أسمائهم: رشاد الهوني، وخليفة الفاخري، ويوسف القويري، وأحمد إبراهيم الفقيه، وعلي فهمي خشيم، ومحمد أحمد وريث، وعبد الرازق أبو خيط، وحميدة البراني زوجة رشاد الهوني، والكاتبة اللامعة في «الحقيقة».
كان ذلك سربا سمي «جيل الحقيقة». وقد أطل على بنغازي وجامعتها وشغفها الثقافي العام 1968 الدكتور عبد الرحمن بدوي، أستاذاً للفلسفة في جامعتها طوال ست سنوات. ولم يرَ أحد في انضمام الفيلسوف الكبير إلى المدينة الصغيرة والجامعة الصغيرة غرابة أو استهجاناً. غُيّبت ليبيا الأدبية طوال أربعة عقود. وما إن غاب حتى أطل أدباؤها من جديد. مرحبا يا أخويا مرحبا.