إصلاحُ الفاسد ببيانِ المتنبي لطباع الحاسد

إصلاحُ الفاسد ببيانِ المتنبي لطباع الحاسد

إصلاحُ الفاسد ببيانِ المتنبي لطباع الحاسد

 عمان اليوم -

إصلاحُ الفاسد ببيانِ المتنبي لطباع الحاسد

بقلم:تركي الدخيل

وكنتُ عرضتُ بعضَ تناولِ المتنبي للحسدِ في شعره، والأكيد أنَّه استفاضَ في استعراض وجوه كثيرة، من صورِ الحسد، وطباع الحُسَّاد، ووقفتُ في أبياته على كلماتٍ مشتقة من الجذر (ح س د)، يتجاوز عددها 40 كلمة، منها مثلاً:

حَاسِدِي، مَحسُودُ، الحُسَّاد، مُحَسَّد، يُحسَدُ، يَحسِدها، الحَسَدَ، تُحسَدُ، حَسَدَ، حُسِدتَ، تَحسِدُ، حُسَّدُكَ، حَسَدْتِ، حَاسِدَا، حَاسِدُنَا، حَسَدٌ، حَسَدًا، يَحسُدُ، يحسِدنَ، لَتَحسُدُ، تَحسُدُنَّ، الحَسَدَا، حَسَدَ، حُسَّدَا، حُسِدْتُ، حَسَدَتنا، تَحْسُدُ، تَحسُدُهَا، حَاسِدٍ، حُسْدُكَ، تَحسُدُهَا، تَحَاسَدَت، يتَحَاسَدَانِ، حُسَّادُهُ، بِحُسَّادٍ، حُسَّادِي.

وذُكِرَ الحسدُ في شعر أبي الطيب في أكثر من مائة موضع!

تراهُ مثلًا، وهو الخبير بخصالِ الحُسَّاد، يُسدِي لك نصيحةً عظيمة، فيقول:

ولَا تَطْمَعَنْ مِنْ حَاسِدٍ في مَوَدَّةٍ

وإنْ كُنْتَ تُبْدِيهَا لَهُ وتُنِيلُ

ظاهر البيت؛ ألا ترجو مودةَ حاسدٍ، ولو عاملته بها. لكنَّه قال: (لا تطمعن)، مستخدماً الطمعَ، ولم يقل لا ترجُ، أو لا تنتظر، فأيُّ وجاهةٍ دلالية لاستعماله هذا؟

في (الفروق اللغوية): الفرق بين الرجاء والطمع: أنَّ الرجاء، هو الظَّنُ بوقوعِ الخير الذي يعتري صاحبه الشك فيه، إلا أنَّ ظنَّه فيه أغلب (...) ولا يكون الرجاءُ إلا عن سبب يدعو إليه، من كرمِ المرجو، ونحوه. والطمعُ ما يكون من غيرِ سببٍ يدعو إليه فإذا طمعتَ في الشيء، فكأنَّك حدَّثتَ نفسَك به من غير أن يكونَ هناك سببٌ يدعو إليه، ولهذا ذُمَّ الطمعُ، ولم يُذمّ الرجاء.

أرأيتَ، سيدي الكريم، لِمَ استخدم المتنبي (الطَّمعَ)، بما فيه من ذمٍ، وكون الطامعِ يطمعُ دونَ وجودِ سببٍ يدعو إلى ذلك؟ هذا هو الطمعُ بمودَّةِ حاسد.

وجعلَ المتنبي (حاسد)، و(مودة)، نكرتين، لم يعرفهما بـ(أل التعريف)، كأنَّما النكارة مرتبطةٌ بكل منهما، لسوء طبع حاسدٍ، واستنكار مودَّةٍ منه. كما استخدم (في) قبل مودة، تبعيضاً لهذه المودة، أي:

لا تطمعن ببعض مودة، وليس كل مودَّة.

وإنْ كُنْتَ تُبْدِيهَا لَهُ وتُنيلُ

(كنت) لأنَّك تبدي المودة منذ زمن، فهي تعبر عن الماضي، إذ مودتك قديمة، ليبدوَ الفارقُ شاسعاً بين حالِكَ وحاله!

واستخدم (تُنيل)، الحاسد المودة. أناله: وهبه نوالاً، وهو العطاء، كما قالَ ابن القطاع الصقلي.

ونال: تقترن عادةً بالحصول على الشيء، إثر بذل جهد وافرٍ لنيله، وفي القرآن الكريم: (لن تنالوا البرَّ حتى تنفقوا مما تحبُّون)، فالحصول على البر نوالٌ، ولذلك قال: (تنيل)، في منحة منك.

ونختم فنقف مع أبي الطيب، وهو يتحدَّث عن ضرورة أن يُحسَدَ أفاضل الناس، وممّا يثير التعجبَ والتساؤلَ لديه ألّا يُحسَدَ مثلهم، في تأكيد منه على أنَّ كلَّ فاضلٍ محسود، وازددْ فضلاً، تزددْ حُسَّداً، فلا غرابة أن يحسدوني، وأنا بين الناس رأسٌ، فيقول:

إِنِّي وإِنْ لُمْتُ حَاسِدِيَّ

فَمَا أُنْكِرُ أَنِّي عُقُوبَةٌ لَهُمُ

وكَيفَ لَا يُحْسَدُ امْرُؤٌ

عَلَمٌ لَهُ عَلَى كُلِّ هَامَةٍ قَدَمُ

omantoday

GMT 19:41 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

مجالس المستقبل (1)

GMT 19:20 2024 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

البحث عن مقبرة المهندس إيمحوتب

GMT 15:41 2024 الأحد ,14 تموز / يوليو

موسم انتخابى كثيف!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إصلاحُ الفاسد ببيانِ المتنبي لطباع الحاسد إصلاحُ الفاسد ببيانِ المتنبي لطباع الحاسد



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab