بقلم : تركي الدخيل
وطَني لَو شغِلتُ بِالخُلدِ عَنهُ
نازَعَتني إِلَيهِ في الخلدِ نَفسي
في نشيدنا الوطنيِّ السعودي، جرعةٌ مفرطةٌ من اللون الأخضر، وشيءٌ من سِحرِ رمالِ الجزيرة العربية، ودعوةٌ لترديدِ محبةٍ جماعية، وإنْ كنا، معشرَ السعوديين، نرى محبةَ الناسِ لبلادنا، حين نسافرُ عنها في جهاتِ الأرض، فإنَّ تلك المحبةَ الخالصةَ تُضاعفُ عجزَنا عن التعبيرِ لبلدِنا الذي نحب؛ لوطنِنا الحلمْ، مذ وحَّده المؤسس، وتابع خطاه، بَنوهُ الملوكُ الميامين، ومن ثم أدْمَنّا الحلمَ، حتى لا نكاد نُشفَى منه، أو نستَطيبَ النومَ من دون المعالي، ولن ينكرَ علينا غريبٌ إن غنينا ذاتَ شجن:
حنا الوفا من طبعنا وعاداتنا طيب وكرم
حكامنا من شعبنا هذا أخو وهذا ابن عم
واحد وتسعون عاماً، ولا نزالُ على خطى الموحّدْ، مؤمنينَ بالله غير مغالين، نشرُفُ بخدمة البيتين، ونسهرُ على مجدٍ خصَّنا به اللهُ من دون العالمين:
في يدنا كتاب الله وفي يدنا الحسام
إخوان من طاع الله في حرب وسلام
عَهِدتُ السعوديين أقلَ الناسِ افتخاراً ببلادهم، لا تقصيراً في حبّها، لا وربي، لكنْ، متى تجدُ وقتاً للفخر، ومن حولك يغبطونكَ على ملايين الحجاجِ والمعتمرين إن اتجهتَ حجازاً، وإن ذهبت شمالاً، فتلك مضاربُ حاتم، حيث لا تعرف القهوةُ موعداً لانكفاءِ النارِ عنها، وإن شرّقت فتلك نخيلُ هجرٍ وإرادةُ شعبٍ، ونفط إن أراده معتدٍ بسوء، وقفَت الدنيا كلها - لا نحن فقط - دونه، وإن اتجهتَ جنوباً غالطك السحابُ النازلُ ليتوضأ بطيبِ الناسِ في وطني، وعلى رابيةٍ فوق نجد، دان الحكمُ لعبدِ العزيزِ، وتبِعَهُ بنوه، حتى تربَّعَ خادمُ البيتين، سخيُّ اليدين، كريمُ السجايا، سيّدي سلمانْ، ملكاً للحزم، وسيداً للعزم، ومن ثم أشرق علينا محمدٌ، برؤيةٍ عنانُها السماءْ، على كفّهِ السحابْ، وَهِمّةٌ تنوءُ بها جبالُ طويق:
وسمٌ على ساعدي، نقشٌ على بدني
وفي الفؤادِ وفي العينين يا وطني
شمساً حملتُكَ فوقَ الرأسِ فانسكَبَت
مساحةٌ ثرّةُ الأضواءِ تغمرني
قبّلتُ فيكَ الثرى حباً وفوقَ فمي
من اسمرارِ الثرى دفءٌ تملّكني
يا موطني إنني أهواكَ في ولهٍ
يا نكهةً حلوةً تنسابُ في بدني
وما عساي أن أقولَ، وكلُّ كلمةٍ تُقال منذُ واحدٍ وتسعين عاماً عن بلادي، تصبحُ أغنيةً جماعية، فهي منارُ الهدى، وهيَ التي نغنّي لها: واصلي، فتسبقُنا بدعوةِ إبراهيم، عليه السلام: (رب اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثمرات)...
هي وطني الحبيب، والثرى الطاهر دونَ جهةِ استدراك، والقبلةُ... القبلة.
أخبروا أبناءكم عن أعوامٍ تجاوزت التسعين، حملَها عبدُ العزيز ورجالُه على الكفوفِ الخضراء، حتى توحّدنا تحت رايةِ التوحيد، فآلَتْ إلينا حمايةُ البيتين، وفجَّر الله في أرضنا ذهباً أسود، يطلبُهُ كلُ من رامَ التقدم. قبلَ النفط، دانتْ الدنيا لأخلاق أهلينا وفاءً ومحبة للضيفْ، وصوناً للعهد، ومعاذَ الله، أن يختلف آخرُنا عن أوائلِنا.
لي ديرة عالي السحاب... يسكن في شم جبالها
أطهر ثرى... وأغلى تراب... تفخر بفعل رجالها
أدام الله عزَّ بلادي وأهلها وقيادتها، والعقبى لمائة سنة مقبلة من القيادة والريادة والتفوق والنجاح.