لا يختلف اثنان على أنَّ شبابنا هم وقود التنمية ومُحرِّكها الأساسي، وثروة الوطن التي لا تنضب، وهم الهدف والغاية من عملية التنمية، في إطار النظرة الشمولية للإنسان العُماني بكل تأكيد، وذلك نهج قويم أرسى دعائمه المغفور له بإذن الله تعالى جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور- طيب الله ثراه-.
فالاهتمام بالشباب في مُختلف أنحاء وطننا الحبيب اتخذ أشكالاً عدِّة وظهر في مُناسبات مُختلفة، وكل ذلك من منطلق الحرص السامي على إيلاء قطاع الشباب الأهمية الكافية التي تكفل له أن يُسهم في مسيرة البناء والتطوير بالدرجة التي تمنح مسيرة النَّهضة المُباركة الدفعة المثالية والقوة المأمولة لكي تنطلق في آفاقها إلى أبعد نقطة مُمكنة. ولذلك حرص جلالة السلطان الراحل- رحمه الله- على التَّوسع في بناء المدارس ومؤسسات التعليم العالي والأندية، من أجل إتاحة الفرصة للشباب لكي يجد الحاضنة المُناسبة التي تُساعده على المُشاركة في بناء الوطن، فقدمت المدارس ومؤسسات التعليم بمُختلف أنواعها العلوم اللازمة لتعليم وتأهيل الشباب في شتى المراحل الدراسية، وفي كل مرحلة يكتسب فيها الشاب (الطالب) علماً غزيرًا وخبرة واسعة، تُؤهله للمرحلة التالية، حتى يصل إلى الصفوف العُليا من التعليم الأساسي، وهنا يجد نفسه أمام مسارين؛ الأوَّل أن يتَّجه نحو سوق العمل مُباشرة ويخوض مُختلف التجارب العملية، مثل التجارة أو الأعمال المهنية والحرفية، ومن ثمَّ التميز والنبوغ فيها. أما المسار الثاني فيتمثل في التوجه نحو التحصيل الجامعي، والذي يحصل فيه الشاب على مستوى أعلى من التعليم، يُمكنه من اقتحام مجالات عمل أكثر تخصصًا وأعلى احترافية. وهذا يعني أنَّ الدولة بمُؤسساتها وفَّرت لكل شاب وشابة الفرصة الكفيلة بالتميز في المُستقبل، ومنحت الجميع فرصًا متساوية لأجل تطوير الذات والاجتهاد لتطوير النفس ونيل المراتب المُتقدمة في مختلف المجالات.
وبالتوازي مع توفير التعليم المُناسب لكل شاب وشابة، عمدت الحكومة وبفضل التوجيهات السامية لجلالة السلطان الراحل- طيب الله ثراه- إلى تقديم أرقى خدمات الرعاية الصحية والطبية للجميع، بما فيهم فئة الشباب، وهي مثار حديثنا، ومن ثمَّ وجد الشباب نفسه نشأ في كنف دولة ترعاه من مختلف الجوانب، لتوفر له المعيشة الكريمة التي تُحقق له أحلامه ورغبته في المستقبل الأفضل له ولأبنائه لاحقاً.
ومما يُؤكد على الدعم السامي لجلالة السلطان قابوس- رحمه الله- منذ بواكير النهضة المُباركة، أنه تمَّ تخصيص عام 1983 ليكون عامًا للشبيبة، احتفاءً وتقديرًا للدور المشهود للشباب في خدمة الوطن والمُساعدة في نهضته وتقدُّمه، فضلاً عن وضع قاعدة أصيلة في مسيرة العمل الوطني، مفادها أنَّ الشباب عماد هذا الوطن وأساس نمائه، وتخصيص عام للاحتفال بالشباب، يُجسد هذه القاعدة، ويُبرهن على أنَّ القيادة الحكيمة ارتأت أن تحتفي بالشباب ومُنجزاتهم على أعلى مستوى، أي من لدن جلالة السلطان، وهذا تكريم سامٍ لا يُضاهيه تكريم. وبالفعل نجحت هذه الخطوة في أن ترسخ لآلية تعاطي مؤسسات الدولة مع الشباب، إذ تطور الاهتمام الحكومي بالشباب، وتوسعت الدولة في افتتاح الأندية والملاعب التي تستوعب طاقات الشباب، وتُؤهلهم في مُختلف الرياضات، وتدعمهم للمشاركة والمنافسة في مختلف البطولات الإقليمية والقارية والدولية أيضًا.
وتطور هذا التكريم السُّلطاني للشباب، بتخصيص يوم للشباب العُماني، وهو السادس والعشرين من أكتوبر من كل عام، وذلك بمُباركة سامية من السلطان الراحل، لتحتفل عُمان بذلك سنوياً في هذا التاريخ المشهود بالشباب، وبما أنجزوه وما قدموه من عطاء وبذل للوطن، رغبة منهم في بناء عُمان الحبيبة.
الرعاية السامية للشباب لم تتوقف فقط عند جوانب التعليم والصحة والرياضة، بل امتدت إلى الاقتصاد، وهو عصب التنمية وعمودها الفقري، فكان الدعم السامي للشباب في تأسيس مشاريع خدمية واستثمارية جلياً خلال سنوات النهضة المُباركة، فنشأت العديد من المؤسسات التي تقدم سُبل الدعم والتحفيز للشباب على بدء نشاط تجاري؛ يُساعدهم على توفير مصدر رزق يُعينهم على بناء أسرهم وتحسين وضعهم المعيشي، فكان- ولا يزال- بنك التنمية العُماني وغيره من المؤسسات المصرفية، تُقدم التمويل اللازم للمشاريع الشبابية، إلى جانب مشاريع أخرى، وتوفر لهم الأدوات اللازمة لنجاح مشروعاتهم من الناحية التمويلية.
واستمرت جهود دعم الشباب مع توجه حكومتنا الرشيدة نحو ريادة الأعمال، وتحفيز الشباب على العمل الحر والتوظيف الذاتي، فأنشأ جلالة السلطان الراحل بتوجيهاته السامية السديدة صندوق الرفد، ليكون رافداً لكل عُماني وعُمانية شابة، يُريد أن يؤسس مشروعاً صغيرًا أو مُتوسطاً، ثم تتالت الجهود الحكومية الرامية إلى الاهتمام بقطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وريادة الأعمال بصفة عامة، فتم إنشاء الهيئة العامة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة "ريادة" إلى جانب عدد من الصناديق واللجان الداعمة لرواد الأعمال، وكان ذروة القرارات الداعمة لهذا القطاع المُؤثر في النمو الاقتصادي، تخصيص نسبة 10% من المناقصات الحكومية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وهو قرار يحمل أبعاداً اقتصادية واجتماعية بالغة الدلالة، فمن الناحية الاقتصادية يُساعد القرار تلك المؤسسات على النمو وزيادة عائداتها، ومن ثم ارتفاع مُساهمتها في الناتج الإجمالي للبلاد. أما من الناحية الاجتماعية، فإنَّ هذا القرار يُساعد رائد الأعمال على سداد الأقساط البنكية التي اقترضها لنمو مشروعه، والإنفاق على أسرته وتحقيق المعيشة الكريمة.
لكن في المُقابل أود أن أشير إلى نقطة محورية فاصلة في قضية الشباب ودوره في التنمية، إذ إنَّ الحكومة ومؤسسات الدولة وبفضل التوجيهات السامية العديدة، قد بذلت جهوداً مضنية من أجل دعم وتحفيز الشباب وتوجيههم نحو مسارات مستقبلية يحققون خلالها تطلعاتهم نحو غد أكثر إشراقاً، غير أنَّ القطاع الخاص يستطيع أن يُقدِّم أكثر لهذه الفئة من المجتمع، والتي بحسب الإحصاءات الرسمية تمثل القطاع الأكبر، فمجتمعنا العُماني مجتمع فتيّ شاب، وهؤلاء الشباب يمثلون طاقة لا محدودة وإمكانات هائلة، إذا ما تمَّ توظيفها على النحو الأمثل حققت بلادنا طفرة في معدلات التنمية. ولذلك قُمنا في جريدة الرؤية ومنذ 7 سنوات بإطلاق جائزة الرؤية لمُبادرات الشباب، ووضعنا نصب أعيننا في المقام الأول تحفيز الشباب، ليس فقط من خلال منحهم الجوائز، ولكن عبر التأهيل والتدريب المُستمرين، من خلال ما يتم تنظيمه من فعاليات مُصاحبة للجائزة تجوب ولايات السلطنة وتعمل على تدريب الشباب وصقل مهاراتهم وخبراتهم في العديد من المجالات، وكلها مجالات متطورة ومُعاصرة، مثل التدريب على التقنيات الحديثة في البرمجة والروبوتات والذكاء الاصطناعي والفن بأنواعه، والأدب بصنوفه.
ولذلك يُمكن القول إنَّ جهود دعم شبابنا في العديد من المجالات، تُؤتي ثمارها، فما نُشاهده بصفة مُستمرة من تميز طلابنا وشبابنا في المحافل الإقليمية والدولية، خير دليل على أنَّ التربة العمانية الخصبة تطرح ثمارا يانعة يستفيد منها الوطن، ويتقدم من خلالها.. ولكن في المُقابل، أقول لشبابنا، كونوا على قدر المسؤولية والتوقعات، فالوطن بأسره يعول عليكم لتكونوا الوقود الذي لا ينفد لدفع مسيرة التنمية قدمًا إلى الأمام، وأنتم- أيها الشباب- قادرون على قيادة مؤسسات الدولة بكفاءة ومهارة عالية، وتستطيعون الإسهام في تطوير اقتصادنا الوطني.
وختاماً.. أقتبس أبيات الشاعر اللبناني إيليا أبوماضي حين تحدث عن الشباب ووصفهم بقوله:
هم الزهر في الأرض إذ لا زهور// وشهب إذ الشهب مستخفيات
إذا أنا أكبرت شأن الشباب// فإنّ الشباب أبو المعجزات
إذن الشباب "أبو المُعجزات" وهم القادرون على تحدي المستحيلات، والمُنافسة في أشرس المعارك وأشدها، هم المتأهبون لخدمة الوطن في كل مكان وزمان، وهم الناجحون الذين تتقدم الأوطان بهم.