بقلم : أحمد بن سالم الفلاحي
تظل علاقتنا بالآخرين علاقة مشبوبة بالكثير من الحذر والترقب، وهذا الحذر والترقب، ليس مقصودا بذاته في كل موقف، وإنما يأتي هكذا بوحي الفطرة؛ إن يجوز التقييم؛ وبقدر هذا الحضور لهذه الفطرة في سلوكياتنا اليومية، تحضر جميع المنبهات، فتوقظ فينا حالة الترقب عما سوف يتبادر من سلوك، من هذا، أو ذاك، وهناك أناس عندهم سرعة البديهة في اقتناص المواقف، أو الزلات التي تظهر من الطرف الآخر، بقصد أو بغير قصد، وهؤلاء البديهيون في سرعاتهم، يجنون مكاسبها في ذات اللحظة، بخلاف الآخرين الذين لا ينتبهون، وبالتالي يخسرون الكثير، وقد تتوالى خساراتهم، وعليهم أن يدفعوا أكثر من الحسرات، والندم، لأن ردات الفعل المتأخرة، تعتبر خسارة، لا يمكن تعويضها، فقد فات زمنها، وولّى.
في علاقتنا بالآخر؛ تكثر هذه المنبهات، تصدر منا، أو منه، منها ما يأتي على شكل ثناء، ومنها ما يأتي على شكل تجريح، ومنها ما يأتي على شكل غمز ولمز ولذلك قيل: «واللبيب بالإشارة يفهم» والمشكلة أنه ليس كل الناس يمكن أن يكون «لبيبا» ولذلك لا تتعداه السهام، ويظل؛ في أغلب الأحيان؛ هدفا للصديق والعدو على حد سواء، وكما يقال في القاعدة القانونية: «القانون لا يحمي المغفلين» خاصة إذا كان الاستغفال متعمدا، أو لا يحظى باهتمام من قبل صاحبه، ويترك الآخرين يسبحون ويمرحون في مشاعره، وهو صامت يتلقى المأزق الناشئ ما بين علاقاته بهم، وما بين استغلال الآخرين له، انطلاقا من هذه العلاقات، مهما حملت من عناوين كثيرة: قربى، صداقة، زمالة، مصالح شتى.
كثيرة هي المنبهات التي تصدر بين أطراف كل العلاقات القائمة بين الناس، البعض منها ينبته لها، وتعالج في حينها، وبعضها الآخر يغض الطرف عنها، لأن في إثارتها؛ ربما؛ تفضي إلى خسارات، ومواجع، فتركها أفضل، وثالثها لا ينتبه لها من قبل المتلقى، مع تقصد المرسل لها، وفي كل أحوال هذه المنبهات التي تصدر بين مجموعات الأفراد والجماعات لا يمكن الجزم على أنها كلها سيئة، فقد تكون هناك منبهات إيجابية، وتفضي إلى رتق مثالم كثيرة، ومعالجة أخطاء عديدة، وجبر خواطر كثيرة، فالمسألة في معادلة معرفية، واجتماعية، وتربوية، وهذا التصنيف يعتمد كثيرا على نوع المنبه، وتوقيته، وعن موضوع الحوار المتمخض عنه.
ربما قد يتساءل البعض؛ إن كانت هناك آليات تدريبية يمكن الأخذ بها للتنبه عن أي منبه سلبي أو إيجابي، ويمكننا الانتباه إليه في لحظة احتدام النقاش بين مجموعة المتحاورين، أو عن أي رسالة قادمة، ونكون نحن في موقع التعرض لها في حينها؟ ما أتوقعه؛ أنه ليس هناك خطوات (1،2،3، …) نبدأ بها لنكون جاهزين للاستعداد لأي منبه يأتينا عبر رسالة ما موجهة، أو غير موجهة، وإنما تخضع المسألة للحالة الفطرية عند كل شخص، وتعززها تجربة الحياة، ومستوى المعرفة لمختلف المواهب، لأن ما يستفز أحدنا من موقف ما، أو عبارة ما، أو حوار ما، ربما قد لا يستفز الآخر، وفي كل هذه المناخات هناك الكثير من المنبهات التي تصدر من هنا أو هناك، ربما تثيرنا إلى حد الارتباك، وربما لا تحرك فينا ساكنا، وهنا مقولة شعبية على نمط بيت من الشعر يقول فيه قائله: «اللي يحرك بعين حره بعين؛ وعين على قداك تعرفها» والمقصود: أن هناك من يتقصدك بعبارة، أو حركة، أو إيماءة، أو رفة رمش، وبالتالي فعليك أن ترد هذا التقصد، ويقينا؛ أنت تدرك من يتقصدك على وجه الخصوص.
عندما نزور معرضا للصور، أو معرضا تشكيليا، فإن هناك لوحات كثيرة تضمها جنبات المعرض، ومن كل هذه اللوحات الرائعة، تظهر هناك لوحة ما، أو لوحتين؛ قد تستفزنا، أو نحسن تعاطفنا معها، ذلك لأنها تتضمن منبها ما، استعطنا بوحي الفطرة، أو الخبرة أن نستجيب له، وقد ندفع فيها الثمن المكتوب عليها بلا تردد، وكما يحدث في هذا الموقف شيئا من هذه الاستجابات للمنبهات، ففي الحياة منبهات كثيرة، قد نستجيب لها، وقد نغض الطرف عنها.