بقلم : أحمد بن سالم الفلاحي
عندما يصدمنا التقدم التكنولوجي، في مواقع كثيرة، ومواقف أكثر، فإننا نعود لنتباكى على عصر؛ كما يقال “الطيبين” حيث البساطة المتناهية في الضعف، والفطرة التي تتلمس البدايات الأولى لعمر الحياة، ونرى في ذلك الراحة النفسية، على الأقل في اللحظة الحرجة من عمر المعرفة التي تتعالى اليوم بشروطها القاسية على الإنسان، والفرد البسيط على وجه الخصوص، ويحق لهذه المعرفة الكونية اليوم، أن يكون لها هذا الموقف، وهذه الشروط التي تفرضها على متلقيها، وأولها حداثة السن، والذكاء، والخروج عن ثقافة “كان أبي” إلى ثقافة “ها أنا ذا” لأن العصر يتسارع بأدواته، لا بشخوصه، وبالتالي فمتى لم يستطع هذا الشخص “الفرد” أن يتواكب مع أدوات العصر واستحقاقاته، عليه أن يركن جانبا، ويترك للآخرين إصرارهم على التحدي، وقيادة سفن المغامرات المبحرة أبدا إلى آفاق أبعد.
كنت أستمع وأشاهد مقطعا مرئيا يتحدث عن تقنية الـ (5g) والخوف والأمل في آن واحد من تحققها على أرض الواقع، بتسارع مخيف، قد يشل حركة القرار بقبولها أو رفضها، خاصة وأن هذه التقنية تتبناها أقوى اقتصاديات العالم اليوم والممثل في قطبي (الصين، وأمريكا) وهما اللتان تعيشان صراعا في جوانبه الكثيرة “مخفيا” وفي أجزاء منه “ظاهريا” لشهادة العالم لمن سوف ينتصر على ذرى الحلبة أخيرا، ولكن وفق المرئيات المعايشة أن لا منتصر، وإنما هناك مماحكات لجلب الكثير من المكاسب، وهناك مناولات للزج بأطراف ليس لها قيمة سوى “جمهور القطيع” وهناك تكدس لأخرى لتعزيز النصرة، أمام المجتمع الدولي زيادة في تعميق القضية، وتعقيد مشكلاتها.
ومما سمعته من هذا التقرير المرئي: “أن تقنية الـ (5g) هي تقنية الجيل الخامس من شبكات الاتصال على الإنترنت، وهي أسرع من الـ (4g) بمائة مرة، وبأنها تكون الأساس أو العمود الفقري لواحدة من اهم الصناعات في المستقبل “أنترنت الأشياء” مثل؛ الذكاء الاصطناعي؛ والروبوتات؛ والمدن الذكية؛ وتطبيقات الـ (vr) والسيارات ذاتية القيادة”.
ويختتم التقرير بجملة: “هي مستقبل الاقتصاد بمليارات الدولارات” – انتهى النص -.
ومن اليقين أن المتخصصين في مجالات الإنترنت، وتقنيات الاتصالات يدركون أكثر من غيرهم مظان الأشياء الأخرى التي تحتويها تقنية الـ (5g)، وبالتالي من المفترض أن يوضحوا الصورة الحقيقية لهذه التقنية للرأي العام، وأن يصروا، إصرار العارف المتمكن في مجالات العمل التي يعملون عليها على الاستعداد لاستيعاب هذه التقنية في المؤسسات التي يعملون فيها، وإذا كانت هناك عقول – لا تزال متحجرة – تقاوم متطلبات التغيير، عليهم محاربتها، والأمل اليوم كبير أن يتاح المجال لعقول جيل الألفية الثالثة المتسلحة بالمعرفة التقنية، القادرة على هضم واستيعاب تقنية الـ (5g) القادمة، فالعمر الإداري المتهالك، ما عاد مقبولا اليوم في ظل تسارع مثل هذه التقنيات التي تحتاج إلى فكر لا يؤمن بالمسلمات، ووقع الحياة أكثر تسارعا من وقع الأقدام المتجهة إلى مؤسسات العمل، ولذلك فلا غرابة اليوم أن يعلو صوت المطالبة بالعمل من المنازل، دون الحاجة إلى مكاتب ضخمة، وسيارات فارهة بأرقامها الفردية، تتزاحم في الشوارع، ولا تستوعبها المواقف المخصصة لها في كل مؤسسة، وهذا ما ينادي به القائلون: “لما بعد كورونا”.
وعموما؛ فالتقنية تفرض ذاتها، استوعبتها الشعوب أو لم تستوعبها، وما التدرج من الـ (0g الى 4g، مرورا بـ 3g، وصولا إلى 5g) إلا دليلا على هذا النمو المتسارع في بنية هذه التقنية، وهي لذاتها تنشئ جيلا قادرا على خوض غمار تجربتها، مهما بلغت من التعقيد، وما نراه في تجربة أطفالنا الصغار جدا، وقدرتهم على الوصول إلى عمق الأجهزة المتاحة لديهم، إلا دليلا آخر على هذه النشأة.