بقلم : أحمد بن سالم الفلاحي
عندما يقول لك أحدهم؛ لفعل استحسنه منك؛ “بيض الله وجهك” فهو لا يدعو لك بأن يكون وجهك أبيضا، بل ليجعل أفعالك حسنة، ولماذا أتى على ذكر الوجه، ولم يأتي على ذكر الفعل الحسن الذي استشعره منك، لأن الوجه هو عنوانك في مواجهة الآخر، وهو المعبر عن سريرتك، وعن عبوسك، وعن سعادتك، وعن نشاطك، وعن كسلك، وعن همتك، وعن صفاء قلبك، وعن سوء نواياك، أنه الوجه الذي يراك من خلاله الآخرون، ولذلك عليك أن تحسن من صفحة وجهك، وأن تتسامى على قضاياك الداخلية، وتعيش بوجه حسن أمام الآخرين، فبقدر صفحة وجهك المنيرة، تكون ردة فعل الآخرين تجاهك، صحيح أن الناس يريدون منك عملا يقنعهم بأنك صادق، وأمين، وناصح، ومؤتمن، ولا تكفي صفحة وجهك لوحدها أن تلم كل هذه الصفات في آن واحد، لأن هناك مقولة أيضا: “إذا رأيت نياب الأسد بارزة؛ فلا تظنن أن الأسد يبتسم” وهذه لحالها مفارقة موضوعية كبيرة، وخطيرة، إن استلمها أحد من الناس، وأصبحت نسيجا من شخصيته، أهلك من حوله، وأوقعهم في امتحان ليس أقله أن يؤخذوا على حين غفلة من أمرهم، وعمرهم.. “لا نرى وجوهنا” هذه حقيقة، ولكن يراها الآخرون؛ هذه حقيقة أخرى، وتظل هي المعبرة عن ذواتنا؛ هذه حقيقة ثالثة، ومن استطاع أن يعقد صفقة رابحة بين وجهه وقلبه، فلقد ملك نواصي القيم السامية، فالقيم السامية يمكن أن تغتال في المسافة الواصلة بين الوجه والقلب، وهناك أناس غير قليلين، يستطيعون لعب هذا الدور الخطير، والخطورة تكمن في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: “آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا عاهد أخلف، وإذا خاصم فجر” وفي كل هذه المناخات المؤلمة الثلاثة يمكن أن يلعب الوجه دورا محوريا فيها، حيث يلبسك صاحبه ثوبا من الاطمئنان والأمان، والسلام، والرضا، حتى تقع في مصيدة أحد هذه الثلاث، أو مجتمعة، ولذلك تحتاج هذه المسألة لتصل إلى بر الأمان إلى رحلة زمنية من العشرة، والمعاملة، والأخذ والعطاء، والحوار. وقد يكون الوجه بتعابيره المختلفة مشكلة لصاحبه، فكثير من الناس؛ أيضا؛ قد تصدمك عبوسة وجهه، وبخل منطقه، بأن لا تظن فيه خيرا، على عكس ما يقوله إيليا أبو ماضي – رحمه الله -: “قال: السماء كئيبة وتجهما؛ قلت: ابتسم؛ يكفي التجهم في السماء قال: الصبا ولى؛ فقلت له: ابتسم؛ لن يرجع الأسف الصبا المتصرما” وقد تقول في نفسك، لا يمكن أن أعقد صفقة للصلح معه، بينما سريرته غير ذلك، وعندما تبدأ بالاقتراب منه، أو الاقتراب منك، تجده إنسانا آخر غير الذي حكمت عليه بإعدام العلاقة معه قريبا، تجده مساحة من الرضا والعفاف. “لا نرى وجوهنا” حتى المرايا لا تصدقنا في الرؤية الحقيقية لوجوهنا، فهي تسقطنا في مطب الخداع، لأننا لا نريد أن نرى وجوهنا من خلالها إلا أن تكون وضاءة، ومشرقة، وبهية، وبهيجة، ومتفاعلة، وصبوحة، وإن لم تسعفنا الخلقة الفطرية في ذلك، فإننا لن نتوانى في جلب كل مساحيق الدنيا، ونوزعها على تفاصيل التفاصيل في وجوهنا، شرقا وغربا، علوا ونزولا، ولن نفارق مرايانا؛ التي أوهمتنا بكل شيء جميل؛ إلا ونحن في قمة الرضا عما آلت إليه وجوهنا، كل ذلك احتياطا من الآخر، الذي يحمل مشارط ألسنته الحادة ليصعقنا بها، فالآخر ليس سهلا، فهو المتخصص في التسلط مباشرة نحو ما يسيء إلينا في كثير من المواقف، ولا يستبعد بين فترة وأخرى، وهو يستعرض وجوهنا شرقا وغربا أن يتصدع صدره كمدا وغيضا بـ”سود الله وجهه” يقولها، ويقابلنا في الوقت ذاته بابتسامة صفراء، نستطيع قراءتها من بعد، فليس كل الابتسامات صافية، وصادقة، وبتمعن بسيط تدرك قلق الصدر الذي تسللت منه. “لا نرى وجوهنا” ليس صعبا أن نرى وجوهنا بجميل أفعالنا ونوايانا، وصدق محبتنا، ومتى توافق المخبر مع المنظر، لن يستطيع أحد إنكاره.