بقلم : أحمد بن سالم الفلاحي
كثيرا ما نسمع: “فلان تراه مسكينا متواضعا؛ لا خوف منه” أو “ما عليك من فلان؛ إنسان متواضع؛ ما يخوف” أو “التواضع؛ يا صديقي ما يأكل عيش” أو “لا تتواضع إلى الحد الذي يحتقرك الناس” أو “كلما ازددت تواضعا؛ كلما ازددت ضعفا” وفي المقابل تجد مقولات مثل: “إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب” أو “إن لم تتقدم الصفوف نهشتك الكلاب” أو “لا تترك الآخرين يتسيدون عليك” وغيرها الكثير، فكل هذه العبارات والمقولات تدعوك إلى أن لا تظهر الضعف والاستكانة أمام الآخرين، فإن مجمل ما تحيط به نفسك – مما قد تظنه؛ مع نفسك أنه تواضعا – ينظر إليه من قبل آخرين على أنه ضعف، وأنك شخصية هامشية، لا تمثل ثقلا معنويا وماديا مع الآخرين من حولك.
ولأن مبدأ القوة؛ في الثقافة الاجتماعية؛ والقوة هنا ليست الجبروت؛ يحتاج إلى قوة، أيا كان نوع هذه القوة، فإن الظاهرة الاجتماعية تستحسن أن يكون كل ما هو سائد يعبر عن قوة، سواء أكانت هذه القوة ممنوحة من أطراف يمتلكون أدواتها، أو أن هذه القوة هي مكتسبة من قوة مساندة، كوجود المال، أو وجود الجاه، أو وجود المنصب، أو وجود العشيرة، فهذه القوى بأشكالها المتعددة، وهي المتموضعة في الثقافة الاجتماعية ينظر إليها بكثير من الاحترام، لأنها تعزز من المكانة التي يريدها الشخص، أو المجموعة الاجتماعية في الوسط الاجتماعي، وهذه الصورة لا تختلف بين مجتمع؛ اكتسب شيئا من التحديث السلوكي، أو مجتمعا لا يزال يئن تحت وطأة القيم التقليدية المتوارثة، فالمسألة سيان في ذات الحكم والنتيجة، إلا الاستثناء، والاستثناء هنا الفرد الواحد الذي استوعب الحقيقة المثلى لمفهوم القوة، ومفهوم التواضع، ومفهوم العلاقات المترابطة القائمة على كليهما، ولكن لأنه فرد، يؤمن بما يشعر به ويقتنع، فهو بالتالي معرض للنقد الذي قد يكون قاسيا في بعض الأحيان، ولذلك فالمجتمع من حوله يدفع به دفعا ليبعده عن موضع التواضع، للإيمان الموجود بأن التواضع ضعف مهما استحسنه البعض مجاملة.
لعل هناك الكثيرين منا سمع، ولو على سبيل المزاح، “ما دمت على تواضعك هذا فإنك لن تحقق شيئا” وهنا نعتك بالضعف بصورة مباشرة، ولا ينظر إلى هذا التواضع على أنه خلق كريم، وأنك تمتثل أحد القيم السامية التي يدعو إليها الدين الحنيف، أو القيم التربوية التي يحث عليها المجتمع في مواقع معينة، ولذلك عندما تقرأ تصرف فرد ما في سلوك يبدو لك أنه مبالغ في تمثيله في جانب القوة، وهو لا يملك أدوات للقوة، تستنكر عليه ذلك السلوك أيضا، وتذهب مباشرة إلى نعته بأنه “متعجرف” أو “متكبر” أو “شايف نفسه” وإذا تقدم الصفوف قد تكال عليه التهم، وقد يتعرض لنعوت لا أول لها ولا آخر، ومعنى هذا أن جل تصرفاتنا لا نوظفها عن قناعة منا، وإنما هي خاضعة لرؤية الآخر وتقييمه، وهذه إشكالية كبيرة، تجعل الواحد منا في حيرة، فإن هو سلك سلوك التواضع عن قناعة، أو سلك سلوك الاعتزاز بنفسه عن قناعة، هو في كلا الحالتين معرض للنقد والذم، ويبدو أن الاحتكام على المكتسب الشخصي من معارف وعلوم؛ ممثلة في الشهادات العلمية؛ على سبيل المثال، أو المكتسب في السلم الوظيفي، أو الانتساب إلى الوجاهات الاجتماعي التي يؤمن بحتميتها أبناء المجتمع لن تغني أي فرد عن تسلط الألسنة عليه، والمهم في كلا الأمرين أن امتثال الفرد لقناعاته التي يؤمن بها، ويرى أنها الصورة المثلى لتوظيف سلوكه، هو الأصوب في حقيقة العلاقة بالآخرين، هل يستصوب الآخرون هذا السلوك منك، أو لم يستصوبوه، يجب أن تبقى هي مشكلتهم، لا مشكلتك أنت.
نقلا عن جريدة عمان