بقلم : أحمد بن سالم الفلاحي
نردد كثيرا مصطلحات: الصور الذهنية، الذهنية العامة، عقلية القطيع، التقليد الأعمى، الاتحاد قوة، التفرق ضعف، يد الله مع الجماعة، “أنا وابن عمي على الغريب” وهي مصطلحات على قدر كبير من الأهمية العملية، والأهمية المعرفية، وهي مصطلحات وإن عومتها الشمولية، إلا أنه عند تفكيكها تنبئ عن معانٍ شاملة، وتتوغل في جميع مجريات حياتنا اليومية، وعندما نسقطها على واقع هذه الحياة التي نعيشها تنقلها من حالتها الجامدة، إلى حقيقتها المعاشة بيننا، وكأنها تنبض بأرواحها، وتتوغل بسلوكياتها، ربما المشكلة التي واجهت كثيرا من الناس هي مسألة التفكيك، وهذا يحتاج إلى خبرة حياتية، وممارسة عملية، ومعرفة معقولة، فالأمر ليس يسيرا حقا.
وعند النظر في الثيمة التي تجمع كل هذه المترادفات، التي تلوكها ألسنتنا كل اليوم، نجد أنها تجتمع على حالتنا الاجتماعية، واجتماعيتنا ليست يسيرة التقصي، فكلما قطعنا شوطا مقدرا من الفهم، سنجد أنفسنا أننا نحتاج مقدارا آخر لفهم أعمق، وكلما اتضحت الخطوط الاجتماعية أمام ناظرينا، استطعنا الحصول على استيعاب أكبر، وفهم أوسع لهذه الحياة التي نعيشها، والتي نتشارك في معيشتها مع أمثالنا من بني البشر، بل حتى يمكن أن يكون هناك نصيب وافر لبقية الكائنات التي تشاركنا هذه الحياة، فاجتماعيتنا عميقة الجذور، شمولية المعنى، يلعب فيها الاجتماع: أسرة، مجلس، قرية، ولاية، مناسبة، إجماع وطني، بورقته الرابحة إلى أبعد الحدود.
فالـ”صورة الذهنية” هي مجموعة التراكمات من المواقف والأحداث التي تسجلها الذاكرة بصورة يومية من واقع الحياة، ومع مرور الزمن تكون مجموعة خبرات لدى الإنسان الفرد، ولدى الإنسان في مجموعه الاجتماعي، وتظل كل صورة ذهنية وليدة بيئتها، ولا يمكن أن تتماهى مع الصور الأخرى وليدة البيئات الأخرى، ومن هنا يمكن للفرد أو للمجموع أن يستيعد صوره الذهنية في البيئات الأخرى البديلة لظرف ما، وتكون له بمثابة القيمة المعرفية، أو السلوكية، وقد تترقى قيمة الصورة الذهنية إلى أن تصل إلى عادات وقيم، يجد فيها صاحبها هويته، وانتماءه، وأتصور أن مجموع الصور الذهنية المتراكمة عند الفرد منذ أن كان صغيرا، وإلى أن ينجز من العمر عتيا، هي التي تشكل قناعاته في اتخاذ المواقف، ورؤيته للواقع الذي يعيش فيه، والغريب في هذا الأمر أن مجموعة الأفراد الذي يتقاسمون بيئة اجتماعية واحدة، ويتلقون في لحظة ما، مجموعة الصور الذهنية الواحدة، ولكن مع ذلك تختلف قناعاتهم، وتختلف مواقفهم، وتختلف نظرتهم تجاه الحياة الواحدة التي يعيشونها، ويمكن قياس ذلك على أبناء الأسرة الواحدة، وهو تمايز ينبئ عن أن هناك فلترات مختلفة قادرة على تصويب بعض الصور، ورفض بعضها الآخر، واستيعاب الثالثة، وهكذا.
والـ”الذهنية العامة” كما سماه الدكتور عبدالغني عماد في كتابه (سوسيولوجيا الثقافة) الصورة الأكثر شمولا، وهي عبارة عن عناوين عريضة، في الاقتصاد، وفي الاجتماع، وفي الثقافة، وفي القيم الحاكمة، وفي الالتفاف على ما تم الاتفاق عليه من قبل أفراد المجتمع، وهي منسوبة إلى المجتمع في شموليته، واتفاقاته، وليس إلى الفرد في تقييمه وقناعاته، وهذا الفهم مطلب محدد لـ”الذهنية العامة” كما يؤكد الدكتور عبدالغني، وبالتالي، ومن وجهة نظر شخصية، فـ”الذهنية العامة” لا تقبل التجزئة في كل اتفاقاتها، فالسلوك في أمر أجمع عليه اتفاق العامة، على سبيل المثال، لا يقبل من فرد أن يأخذ بجزئية، ويترك جزئية، فإما أن يأتيه كاملا، أو يتركه كاملا، وإلا شوه الصورة العامة التي حددت هوية المجتمع بأكمله، وأربكت تماسكه، أمام “الذهنية العامة” لمجتمع آخر.
ولذلك نرى – مثالا – ارتداء الملابس لدى النوعين، فأي تغيير في صناعة هذه الملابس من حيث الشكل، ومن حيث القياس، يقابل باستهجان واسع، ويعد ذلك خروجا عن الصورة التقليدية “الهوية” لهذا اللباس أو ذاك، وقس على ذلك أمثلة كثيرة في الحياة.
جريدة عمان