بقلم : أحمد بن سالم الفلاحي
هنا نفترض تجاوزا لمن لا يقبل بهذه التسمية أو نضع مقاربة لأمرين- في علاقة التضاد والتكامل بينهما- على أنهما «علمان» وهما (الجمهور والإعلام)، والإعلام هنا ممثل بوسائله التقليدية والحديثة، وفي المقابل فالجمهور ممثل في رجع صدى الرأي العام، وما أدراك ما الرأي العام! ولنفترض كذلك سؤالا، وإن بدا جدليا، وهو أيهما يقود الآخر؟
هل الإعلام يقود الجمهور أم الجمهور يقود الإعلام؟
وهذه الجدلية إن استحضرها البعض؛ بفعل القرب والممارسة، فإنه قد ينكرها آخر؛ بفعل تغييب الصورة الماثلة لمثل هذه الجدلية غير المرئية، وإن بدا تأثيرها على سطح العلاقة بينهما.
وبالتالي هنا من يرفض تأثير الرسالة الإعلامية بالمجمل، وكما نسمع دائما مقولة: «كلام جرايد» وكذلك هناك من يقر بتأثير هذه الرسالة، امتدادا لتوصيف دقيق تناسل منذ ذلك الزمن البعيد، وإلى اليوم، وتمثله مقولة «السلطة الرابعة» وإن حلت اليوم وسائل التواصل الاجتماعي لتتيح فرصة المراجعة لمثل هذه القناعات فتربكها قليلا، ولكنها لن تغير من تموضع المفهوم، وإقراره، ومدى تأثيره على الواقع.
السؤال: هل هناك فعلا مراوحة في القبول والرفض قائمة بين هذين العلمين؟
وإلى أي حد يستطيع أحدهما أن يربك تأثير الآخر عليه؟
وما هي العوامل التي يتكئ عليها أي منهما ليجد متنفسا يستطيع الولوج من خلاله لاستباق الفرص المتاحة للبقاء والتأثير؛ وفق هذه الجدلية القائمة بين الطرفين؟
ولنقس هذه الجدلية اليوم على أقرب مثال نعيشه، وهو هذه الجائحة الممثلة في وباء القرن الحادي والعشرين (كورونا- كوفيد19) وما هو ناتج عن ذلك من خلال حالات الإرباك التي تعيشها بعض الأنظمة السياسية الكبرى ووقوعها في مأزق العلاقة القائمة بينها وبين الجمهور من ناحية، وبينها وبين الإعلام من ناحية ثانية، وبين الإعلام والجمهور من ناحية ثالثة، حيث سقطت بعض هذه الأنظمة؛ والكبرى منها؛ في تقييمها لهذا الحدث المهيب، حتى وصل الأمر في بعض جوانبه إلى حالة من الشلل النصفي؛ إن جازت التسمية؛ ولذلك هي اليوم ترفع أكف الضراعة لنجدتها، على الأقل للوصول إلى الحد الأدنى للثبات، حتى قبل بدء العمل للمواجهة.
الجمهور؛ في بعض جوانبه مغيب عن الواقع الحقيقي لحقيقة هذه الجائحة، ولقصور المعرفة تراه يجتهد هنا أو هناك، وما الوصفات الشعبية للمعالجة؛ عنا ببعيد، والإعلام؛ وإن أراد أن يلعب الدور البطولي في هذه القصة؛ إلا أن بذرة الشك القائمة لدى الجمهور- على أنه إعلام مسير لأجندات سياسية واقتصادية- وبالتالي هو الآخر يعيش في محنة، وحتى وإن قارب الحقيقة في رسالته، إلا أن هناك حالات من التناقض بين هذه الرسائل سببها مجموعة من المتخصصين، تجعله في موضع الاتهام، فهناك أكثر من تفسير لهذه الظاهرة الكونية (كورونا- كوفيد19) ولمواجهتها هناك أكثر من تفسير، ولدرئها؛ بأقل الخسائر؛ أكثر من طريقة، وبالتالي فالجمهور على اتساعه وتعدد مشاربه تائه في أيها يذهب، وبأي طريقة يأخذ قبل أن يقع في الـ «هاوية» حيث النهاية، والخوف من كل هذه المراوحات أن يؤدي «إلى التفتيت الكامل لكل القناعات واليقينيات ثم إلى شيوع اللامبالاة لدى الجماهير والأفراد في آن واحد» – كما يقول: جوستاف لوبون؛ في كتابه (سلوكيات الجماهير).
وأضرب لذلك مثالا صغيرا- للختام- في مسألة استخدام القفاز والكمامات- وحالة الخلاف القائمة بين المتخصصين في شأن الحماية أو تعميق المرض أكثر، فالناقل لهذا الخلاف هو الوسيلة الإعلامية، والمتلقي لهذا الخلاف هو الجمهور، وتقييم هذا الخلاف هو إسقاطه في مطب الإشاعة، أو نقل معلومات مغلوطة، والنتيجة النهائية وقوع مراوحة في تبادل الاتهامات بين الجمهور والإعلام، والمخرج منها هو مواجهة الحقيقة، وإن تكن مرة.
المقال من صحيفة عمان