بقلم : أحمد بن سالم الفلاحي
يعيش المتلقي حالة من الإرباك؛ غير المقنن؛ من أثر ما يتلقاه من رسائل مختلفة، وخاصة تلك الرسائل التي يتعاظم فيها العنف إلى درجة إثارة المكامن النائمة، أو الهادئة؛ إلى حد ما، وهو عنف؛ كما يعرفه الجميع؛ مستمر طوال الأربع والعشرين ساعة من البث سواء الفضائي عبر الوسائل المختلفة، أو البث المباشر على واقع الناس، الذين يعيشون المشاهد بصورة مباشرة؛ كما هو الحال في مناطق النزاعات والصراعات المختلفة التي تعيشها شعوب كثيرة في هذا العالم، ولذلك فليتخيل أحدنا كم المعاناة التي يعيشها الفرد في مناطق الصراع؛ على وجه الخصوص؛ وكم من الصور المؤذية التي تتلقاها الذاكرة طوال اليوم، وإذا كان الكبار، بحكم المعايشة يستطيعون أن يتجاوزا الكثير من هذه الصور المؤذية، فكيف للأطفال أن يستطيعوا ذلك، وهم في مرحلة هضم كل شيء، صحيحا كان أو خطأ؛ حيث الذاكرة لا تزال صافية، وتستوعب كل الرسائل، بغض النظر عن فهمهم لها، من عدمه. لذلك ينظر إلى العنف على أنه إحدى الأدوات المؤذية للنفس، ولذلك فهذه الأداة مرفوضة اجتماعيا، وخلقيا، وتربويا، وإنسانيا، وتتحاشاها كل النفوس الطبيعية، ولا تقبلها إلا الأنفس التي ران عليها الضلال، وهي التي تستوعبها، وربما قد تتلذذ بها في إيذاء الآخرين، وتأتي اليوم الثورة الاتصالية لتعمق من مأساة الصورة العنيفة على الأنفس، بل وتكرس فيها مجالات الصراع، وتدمنها إلى حد تطبيق كل مشاهد العنف على الواقع، في مرحلة إنسانية بالغة الخطورة، وشديدة الحساسية والتعقيد، ويبدو أن لا مخرج من ذلك، فالوسيلة الاتصالية تتيح التعمق أكثر، وتذهب إلى الأعنف، وبالتالي فلا يستبعد في مرحلة متقدمة من تقدم هذه الوسائل، أن تسود المجتمعات حالات من العنف الصلف، المغرق في الألم، ولا يستبعد أيضا أن تصل الحكومات إلى حالة من العجز عن مجابهة كمية العنف الذي يتبناه الأفراد، وهو الناتج عن هذا التأصيل المستمر لكل معانيه، وبصوره المختلفة. تم خلال الأسبوع الماضي تداول خبر عبر صفحات الـ “واتس أب” يقال إنه حدث في فرنسا؛ حيث أقدم شاب مدمن على لعبة إلكترونية على قتل كل أسرته المكونة من الأب، والأم والأخت، وعاملة المنزل، والسبب أن عاملة المنزل قطعت؛ بالخطأ؛ خدمة الـ “واي فاي” ويضيف كاتب الخبر، أنه عندما وصل رجال الشرطة، لمكان الجريمة، وجدوا القاتل – ابن هذه الأسرة – يلعب، وكأن شيئا لم يكن، طالبا من رجال الشرطة انتظاره حتى يكمل لعبته” – بتصرف -. وقد نشر من قبل أحداث مماثلة مبعث أسبابها هذا الاستلاب للمخيلة، سواء من أثر هذه الألعاب التي حلت حديثا على المجتمعات؛ متقدمها، ومتخلفها، أو أن مثل هؤلاء الأفراد عايشوا أحداثا دامية، ولو عن طريق التمثيل، في بعض الأحيان، والمسألة؛ وفق معطيات الواقع؛ مرشحة للزيادة، والكثرة، وتعدد الوسائل، ولكن يظل مرجعها واحدا، وهو مشاهد العنف المتموضعة عبر هذه الأجهزة الإلكترونية، والتي تستجلبها شبكات التواصل الاجتماعي من كل حدب وصوب. يقينا؛ ليس هناك مجتمعات تستعذب العنف؛ أي كان نوعه ودرجته؛ حيث يتفق أبناء المجتمعات عند كل الشعوب، على أن العنف حالة شاذة، ومهينة للنفس الإنسانية، ولكن؛ وهو ما يؤسف عليه حقا؛ أن الأنظمة المتسلطة، والديكتاتورية والنزقة، والاستعمارية، هي التي لا تزال تكرس صور العنف في النفوس، وتحولها إلى نفوس مدمنة له، وحتى تؤسف في النفوس حالة العنف، وتروضها على قبوله، تأتي اليوم هذه البرامج، والموجهة بصورة خاصة إلى الأعمار الصغيرة، حيث يقضي الطفل، أو الشاب الساعات الطوال أمام هذه الألعاب المشبعة بالعنف، فيخرج اللاعب بعد جلسة طويلة قتل فيها العشرات من “الأبطال” فإذا بذات الصور تنطبع في مخيلته على الواقع، وبالتالي لا يستبعد أن يسلك طرق العنف حتى في حواراته الطبيعية، مع أقرب الناس إليه، وهذه إشكالية نوعية في التربية، تواجه كل المربين، وتجعلهم في تحد ليس يسيرا.
مرتبط