بقلم : عبدالرزّاق الربيعي
في الوقت الذي تصرّح به منظّمة الصحّة العالميّة، عبر منصّاتها بوسائل الإعلام، وبياناتها، بأنّ موجة جديدة من فيروس (كورونا) ستضرب العالم، والتحذير من تزايد عدد الإصابات، وتناشد الناس بأخذ الحيطة، واتّباع الإرشادات الصحيّة، ما يزال الكثير ممّن يملأون مواقع وسائل التواصل الاجتماعي ضجيجا، وعجيجا، وفيديوهات، ينكرون حقيقة (كورونا)، حتّى أصبحوا يشكّلون ظاهرة، والبعض استعان بمقاطع مجتزأة من تصريحات قديمة، لتعزيز هذه الفكرة، ونشرها كأنّها جديدة، كما حصل لفنّان عراقي شهير، فأوضح أنّ التصريح أدلى به في الأسبوع الأوّل من ظهور (كورونا)، ضمن مناخ تسوده (نظريّة المؤامرة)، مقدّما اعتذاره للمتابعين! ولكن ما الهدف الكامن وراء نشر مثل هذه الفيديوهات التي تصنع بلبلة في الأذهان!!؟ بالطبع، لا شكّ أنّ هناك جملة أهداف لكلّ شخص من الذين يروّجون أنّ (كورونا) أكذوبة من صنع وسائل الإعلام لغايات في نفس (يعقوب) العالم الجديد!، ولا وجود له، وما نقرأ، ونسمع عنه، هو مجرّد تهويل، ولكن من يصدّق هذا الكلام، أو يتفوّه به، هل هو على قناعة كاملة؟ في مقطع طريف، أراد مذيع جريء البحث عن إجابة عمليّة لهذا السؤال، عبر جولة ميدانيّة مرئيّة، فقام بإجراء مقابلات مع المارّة الموجودين في ذلك المكان، وإلى جواره وقف شاب يضع على وجهه “كمّامة”، لا دور له سوى الاكتفاء بمتابعة ما يجري أمام الكاميرا، فيستوقف المذيع أحد الذين يسيرون بثقة عالية بدون (كمّامة)، ولا قفّازات واقية، ليطرح عليه هذا السؤال: البعض يرى أن (كورونا) لا وجود لها، ومن صنع وسائل الإعلام، فما هو رأيك؟ وبعد هذا التمهيد، غالبا ما تكون الإجابة بموافقة هذا الرأي، وأنّ (كورونا) ليست سوى أكذوبة، ومؤامرة استعماريّة، هدفها تعطيل الحياة، وبيعنا أدويتها، وما إلى ذلك من كلام تغلب عليه لغة الحماسة، وعندما ينتهي من كلامه، يتوجّه له المذيع بالشكر لمشاركته، وقبل أن ينصرف، يقول له مشيرا لمن يقف جواره: “صديقي هذا أكّد الأطباء إصابته بـ(كورونا)، والآن نتمنّى منك بعد هذا الكلام الجميل، أن تحتضنه، وتقبّله”، وهنا تحدث المفاجأة، فالضيف يرتبك، ويلوذ بالفرار، تاركا المكان! ومثل هذا الشخص كثيرون، ورغم أن كلامهم تنقصه القناعة الذاتية إلّا أنّهم يطرحون هذه الأفكار غير المبنيّة على حقائق، وفي مواجهة الواقع يهربون، هؤلاء يشبهون أهل تلك القرية التي انقطع عنها المطر، فخرجوا لأداء صلاة الاستسقاء، في مكان خارج القرية، وبعد انتهاء الصلاة التفت الرجل الذي كان يؤمّهم، وقال لهم بألم “أنّكم قليلو الإيمان”، فاستغربوا كلامه، وسألوه” لماذا أصدرت علينا هذا الحكم، ونحن جئنا بكامل إيماننا لطلب نزول المطر؟”، أجاب” نعم، جئتم، ولكن لم يفكّر واحد منكم باصطحاب مظلّة تقيه المطر”. وللأسف هؤلاء يجدون الكثيرين من المتابعين الذين تململوا من الجلوس في البيت، وتعطيل المصالح، وسماع الأخبار التي تسمّم الأبدان، واستبدال ذلك بما تطرب لسماعه الآذان، وينسون، أو يتناسون أنّ ما يتفوّهون به هو الكذب الذي هدفه زيادة عدد المتابعين بخبر سار سرعان ما تتناقله الهواتف النقالة، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فالإنسان عندما يكون في حالة من حالات الضعف، والإحباط يبحث عن قارب نجاة يخرجه مما هو فيه، من وهن، وحزن، ويأس، فتكون تلك الأخبار بمثابة ضوء يلمع في العيون عند انطلاقته في آخر النفق، وهناك من يقرأ هذا المشهد جيّدا، فيحاول أن يستفيد منه لصالحه ببثّ سلسلة من ” الأوهام”، التي تبهج النفوس البسيطة، دون أن يضع حسابا لذلك أنّ هذا الأمر سيكون على حساب صحّة الكثيرين الذين سيصدّقون، ويضربون إرشادات الأطباء عرض الحائط! والمشكلة أنّ الذين يصدّقون تلك الادعاءات لا يكتفون بتكذيبهم تقارير منظمة الصحة العالمية، والأطباء، والمستشفيات، وسعال المصابين، بل ينقلون ذلك للآخرين، ويذهب ضحيّة ذلك ممّن يتعشّقون الأوهام، فيستهترون بالتوجيهات، والنصائح الطبيّة، فيما (كورونا) يملأ عليهم المكان، ويترصّدهم ليطيح بهم، وحين يقع الفأس بالرأس يدركون أنّ (كورونا) ليست كما قيل لهم، بل هي حقيقة ملموسة، ولكن بعد أن عرّض نفسه، والمجتمع للخطر!!
نقلا : جريدة عمان