بقلم : عبدالرزّاق الربيعي
حين قرأت بيت الشاعر أحمد شوقي:
“وإذا نظرت إلى الحياة وجدتها
عرسا أقيم على جوانب مأتم”
للوهلة الأولى، لم أفهمه، ليس لأنني كنت يومها في المرحلة الابتدائية، بل لأن الشطر الثاني يجمع المأتم، والعرس في مكان واحد!
وبدت الحيرة واضحة على وجوهنا، فبذل المعلّم الذي رسمه على السبورة بخطّ جميل في مادة الخط العربي، جهدا ليس بالقليل، لكي يقرّب المعنى لأذهاننا، قبل أن يطلب منّا رسم البيت بدفاترنا، مثلما رسمه على السبورة بخطّ الرقعة، وتكرار ذلك، عدّة مرّات، إلى نهاية الصفحة، وفي كلّ مرّة يكبر السؤال، وبعيدا عن الأثر السلبي الذي يمكن أن يتركه هذا البيت في نفس طفل ينظر للحياة بعين مليئة بالفرح، كنت أجد صعوبة في استيعاب جمع النقيضين، وقبل أيام، وأنا أقرأ خبرا بثته الوكالات عن عرس خلّف مآتم كثيرة تذكرت ذلك البيت المحفور في ذاكرة الطفولة، ففي الخبر الذي بثّته وكالة الصحافة الفرنسية، اجتمع العرس بالمأتم، وتمخّض عن مآتم على جوانب عرس واحد، ليقلب المعنى منسجما مع وقائع الخبر الذي يتحدّث عن حفل زواج أقيم في الهند، انتهى بوفاة العريس بعد الحفل بيومين، لكونه كان مصابا بفايروس “كورونا”، دون أن يعلم، تلك المأساة، لم تتوقف عند تلك الفجيعة، بل تعدّت ذلك إلى إصابة العشرات ممن حضروا حفل زواجه الذي شارك به أكثر من 400 مدعو، ولم تتوقف الإصابات عند هذا الحدّ، بل حضر 200 شخص جنازته، ومأتمه، ويمكننا تخيل حجم الكارثة التي حصلت في ولاية بيهار الهندية!! والسبب أنّ الجميع لم يتّبع آليّة التباعد الاجتماعي، ولم يتّخذ الإجراءات الواجب اتّباعها في حالة اضطراره للخروج من البيت كوضع الكمامات على الأنف، وارتداء القفازات، والمحافظة على مسافة الأمان، وتعقيم اليدين، وتجنّب المصافحة، والعناق، وهذه أصبحت من الأمور المسلّم بها، لكثرة تأكيد الجهات المسؤولة، والأطباء، ووسائل الإعلام، على ضرورة ذلك، لاسيّما، ونحن نعيش ظرفا حرجا شهد تزايد أعداد الإصابات بالفيروس، والحالات المنوّمة بالمستشفيات، والوفيات، بما يوحي أنّنا نعيش ظرفا أشبه ما يكون بظرف حرب! فلا يكاد يمرّ يوم دون أن نقرأ أخبارا في مواقع التواصل الاجتماعي عن فنانين، ورياضيين، وأدباء، وأفراد من عامّة المجتمع، فقدوا حياتهم بعد إصابتهم بالفيروس القاتل، وهذه المواقع صارت تحمل لنا صورا مؤلمة عن مواراة جثامين الراحلين، وكم كان من المحزن مشاهدة مقطع فيديو يصوّر مشهد الصلاة على جثمان نجم اللاعب الراحل أحمد راضي، دون إنزال الجثمان من سيارة الإسعاف، تجنّبا للإصابة! أو مشهد حمل الفنانة الراحلة نجلاء الجداوي بتابوت حديدي، بخطوات حذرة، وبدون تشييع!
ونحن هنا لا ندعو إلى إيقاف حركة النشاط الاجتماعي، فقانون الحياة هو الاستمرار، لا شيء يعترض عجلة الحياة، فهناك من تزوّج في أقسى الظروف، كظروف الحروب، والكوارث، وسواهما، وبالوقت نفسه تعايشوا مع الظروف الموضوعيّة، وأتمّوا الزواج بدون حفل يُدعى لحضوره القاصي، والداني، بل يمكن إقامة حفل بسيط تحضره الدائرة الضيّقة من الأهل، والأصدقاء، فالشرع يشترط في إتمام الزواج الإشهار، بالوسائل المتاحة، ويمكن الاكتفاء بشاهدين عدلين لصحة عقد الزواج، وتوثيق ذلك رسميا لضمان حقوق الزوجين، والأولاد، وجعله ظاهرا بين الناس، ولا يشترط إقامة وليمة، أو حفل، واجتماع عدد كبير من الناس، ولكنّ البعض صار يبالغ في ذلك، فكثرت الولائم، والاحتفالات، والمدعوون الذين يفدون إلى حفلات الأعراس المقامة من أماكن بعيدة، وصارت الاحتفالات مظهرا من مظاهر الحياة الاجتماعية، درجت عليها مجتمعاتنا، ويمكننا قبول ذلك في الظروف الاعتياديّة، لكن الظرف الحالي يملي علينا التخلّي عن الكثير من هذه المظاهر، طالما فيها خطر على المجتمع، والأفراد، لكي لا تحصل مأساة كالتي حصلت للعريس الهندي الذي تحوّل عرسه إلى مأتم جماعي!
نقلا عن جريدة عمان