بقلم : عبدالرزّاق الربيعي
يبدو أنّ فيروس “كورونا” الذي أفسد علينا عيد الفطر المبارك، عندما أدخلنا دائرة الحجر، يومها، وأقفل علينا الأبواب، وقال لكلّ واحد منّا : خليك بالبيت، أعجبه المكوث بيننا للعيد الثاني على التوالي، لما لاحظه من كرم ضيافة في بيوتنا التي فتحت ذراعيها لاحتضان الجميع حتى لفيروس قاتل مثل (كورونا)!، فدخلها مع مَنْ دخل، وأمضى العيد معزّزا مكرّما، بين تجمّع الأهل، ونحر الذبائح، وتقديم مختلف الأطعمة، والفواكه اللذيذة، بعيدا عن الكمامات التي تحجب وصوله إلى أهدافه المرسومة !! فوجد بيئة مناسبة، صالحة للحياة، وحين يودّ التعبير لنا عن هذه الألفة، فلن يجد أفضل من بيت المتنبّي:
يا من يعزّ علينا أن نفارقهم
وجداننا كلّ شيء بعدكم عدم
لذا عزّ عليه مفارقتنا، فطابت له الإقامة بيننا، ومعنا، في الوقت الذي هُدّدت حياته في أماكن أخرى فضلا عن سماعه الأخبار المزعجة المتعلّقة بإيجاد لقاحات ستقضي على حياته بالكامل، فلم يجد أدفأ مكانا، وأجمل وأكثر أمنا، وأكرم منا !! لذا سارع إلى رمي أطنابه، والمكوث بيننا، حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا!، ومرّت الأيّام، والأسابيع، وهو في بحبوحة، وعافية، وواصلت مملكته توسّعها، وجيوشه انتشارها! حتى جاء (عيد الأضحى) ليضيف إلى رصيد حياته المهدّدة بالفناء في أماكن أخرى، مناسبة سعيدة يسترجع من خلالها ذكرياته السعيدة التي أمضاها معنا بعيد الفطر، ولعلّه يتمكّن من توسيع أنشطته، حينما يشاهد التجمعات، والزيارات العائلية، والمصافحات، وتبادل الأحضان، والقُبَل بما يضمن له إقامة سعيدة أطول !!
والوضع لا يحتاج تحليلا، فالكتاب يقرأ من عنوانه، وعنوان (كورونا) بات واضحا للجميع! وهو عنواننا، فنحن نعيش حياة مشتركة، نأكل، ونشرب، وننام، مع أننا نتمنى لهذه الصحبة ألّا تدوم أطول!!
لقد كان من الممكن أن نقضّي عيدا سعيدا، بلا ” كوروونا” ولا كمّامات، ولا فرض تباعد، ولا يشغل الحديث عن بيان اللجنة العليا المتضمن عدد الحالات، والوفيات، مساحة من أحاديثنا !
كان من الممكن أن ننهض صباح العيد لأداء صلاة العيد في المساجد، والأماكن المخصصة، وتبادل التهاني، والزيارات عن قرب، والأحضان، لكي نعوّض ما فاتنا في عيد الفطر الذي مرّ، وكنا يومها في الحجر المنزلي، نسترجع أيام الأعياد السابقة التي مرت بلمح البصر، وكأنها جرت قبل خروجنا من الفردوس المفقود !
كان من الممكن أن نضيف تفاصيل مبهجة، ونردّد مع الشاعر عمر عنّاز قوله:
من أوّل العيد حتّى آخر العيدِ
ملأى تظلّ جراري بالأغاريدِ
وهذا ما كنّا، وكانت أيّامنا مع الأعياد، دون أن نضطرّ إلى استحضار معاناة المعتمد بن عباد أيام سجنه في ” اغمات” بعد أن أدار له الدهر ظهره، فقال:
فيما مَضى كُنتَ بِالأَعيادِ مَسرورا
فَساءَكَ العيدُ في أَغماتَ مَأسورا
كان من الممكن أن نأكل (العرسيّة) معا، كما اعتدنا صباحات العيد، ثمّ نستمتع بطقوس العيد ، والرزحات ، والشلّات، وبقيّة الفنون الشعبيّة التي تكثر في الساحات أيّام الأفراح، والأعياد، وتعطيها نكهة مميّزة، بعد ذلك نرتّب موعدا على وجبة (شواء)، وكنا نحتار في البيت الذي نختاره، ونلبي دعوته لكثرة الدعوات التي نتلقاها بمثل هذه المناسبات !!
كان من الممكن أن.. ولكن.. هاهو المتنبي يعود ثانية، ليقول”ماكلّ ما يتمنى المرء يدركه”، فالحال فرض نفسه علينا، ووضعنا وسط ظرف لم نكن نحتسب له، ورغم أنّ الكلام لا ينفع، ونحن نمضي العيد الثاني على التوالي محجورين، لكنّنا يمكننا القول : لو أخذنا الأمر بجدّيّة أكبر، والتزمنا بتعليمات الأطبّاء، لطوينا هذه الصفحة، وأمضينا عيدا سعيدا وسط الأهل كبقية أعياد الله قبل تفشّي”كورونا”، وفرض التباعد، ووضع الكمّامات على وجه العيد!!