بقلم : د. أحمد بن سالم باتميرا
قد تتسبب جائحة فيروس كورونا في إحداث تغييرات كثيرة داخليا وخارجيا، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وإعادة النظر في الكثير من الأمور عالميا وإقليميا، فيروس تأثرت به الدول الكبرى والصغرى، الغنية والفقيرة، وخلال فترة بسيطة من الزمن، وصلت الخسائر إلى مئات إن لم يكن آلاف الملايين من الدولارات، وأوقفت وشلت الحياة في كثير من مدن العالم، وأحداث وآثار الفيروس ستبقى لعدة سنوات على الأقل.
جائحة عالمية أغلقت المدارس والجامعات والمطارات والمصانع والمولات، أوقفت التجارة والتصدير والاستيراد بدرجة كبيرة، اختفت بعض السلع وارتفع بعضها لسعر خيالي. جائحة وصلت لأكثر من 190 دولة، وعدد الوفيات والإصابات في ازدياد، والدواء ما زال في المختبرات ويحتاج لشهور أو سنة كما يقول المختصون، ما بقي لنا سوى سماع الأذان والدعاء لله عزَّ وجلَّ أن يحمي وطننا وكافة الأوطان من شر هذا الوباء السريع الانتشار كأنه غاز ينتقل مثل الهواء من دولة لدولة دون قيود..!
السلطنة، مثل دول العالم الأخرى، أصابها ما أصابها، وشكلت لجنة عليا لاحتواء هذا الفيروس والتخفيف من آثاره، صحيا واجتماعيا واقتصاديا، حتى النفط الذي يشكل الجزء الأكبر من دخل معظم البلدان ومنها السلطنة هبط لأدنى مستوى له، والوضع المالي الدولي متأثر بصورة كبيرة ومخيفة. فالدول التي ليس لها أمن غذائي ولا صناعات كبرى، والقائمة على النفط والغاز، عليها إعادة النظر في التنويع الاقتصادي والتجاري، واستغلال ثرواتها الطبيعية والجغرافية والاستراتيجية وطاقات شبابها.. عليها إعادة النظر في المصروفات ومحاربة الفساد، عليها إعادة النظر في الشركات الحكومية بأكملها التي يفوق عددها أكثر من 200 شركة، خسائرها ورواتب موظفيها والعلاوات والمصروفات وأرباحها، ولماذا لا تقلل وتلغي الشركات غير المنتجة، مجرد رواتب فقط..؟! وإن كانت مربحة فأين تذهب إيراداتها؟ علينا إعادة النظر في تكدس الكثير من المستشارين في الوزارات والمؤسسات الحكومية ومناصب كثيرة أخرى، علينا دمج الوزارات المتخصصة وإلغاء بعضها، علينا تقليص المناصب الرفيعة وتقليل الهيئات والمؤسسات، علينا فتح الأسواق للمستثمرين وإعادة النظر في بعض القوانين.
كما علينا استغلال موانئنا ومطارات، فعلينا أيضا استغلال جبالنا والثروات المكنونة داخلها، وعلينا إعادة دراسة الأمر فيما يتعلق بالقرارات التي صدرت 2011 فيما يتعلق بالدرجات الوظيفية وتوحيدها الذي تأثر به أعداد كبيرة من الموظفين واستفاد منه البعض، علينا توحيد صناديق التقاعد وإعادة النظر في نظام التقاعد ليكون منصفا وعادلا بين جميع موظفي الدولة وفي جميع الجهات الحكومية، فهم متساوون في العمل والخبرة وفي الدرجة ومختلفون في الراتب ـ ونستثني الفنيين والمختصين ـ البعض يحصل على مكافأة نهاية خدمة تفوق بكثير ما يحصل عليه الآخرون في الجهات الحكومية الأخرى!
علينا وضع النقاط على الحروف بجدية وواقعية فاليوم ليس كالأمس، وغدا سيكون صعبا إذا لم نُعِد النظر في الكثير من الأمور التي تحتاج لقرار سريع، فلدينا شركات حكومية تحتاج لوقفة جادة في موظفيها ومصاريفها ودخلها ونفقاتها، وأرباحها قبل خسائرها، وأين تذهب؟ وهل تحتاج لكل هذا العدد من الموظفين والشركات التابعة لها؟ وهل هناك شركة أخرى ستضاف لها؟ وهناك شركات كبرى نفطية أو صناعية مربحة ويديرها مجلس واحد.. وعلى سبيل المثال، لدينا شركة وحدها، لا أعرف كم الرؤساء التنفيذيين بها ولا مديري العموم ولا ولا؟ اللهم لا اعتراض، وغيرها من الشركات التابعة للحكومة أو تملك الحكومة نسبة كبيرة بها، علينا الوقوف على الدقم، وأسباب التأخر، وهل تسير في الطريق الصحيح؟ وشركات خاصة بالطاقة والمياه والكهرباء، علينا النظر في الشركات المصنعة والمنتجة ودعمها.
علينا محاربة المقصرين، علينا النظر، هل نحن نسير في الطريق الصحيح بخصوص الأمن الغذائي، ومداخلنا المالية في الوضع الصحيح؟ وهل استثماراتنا الداخلية والخارجية ممتازة؟ وهل صحيح بعض الاستثمارات خاسرة في إفريقيا وأوروبا وغيرها وما الأسباب؟ ومن وراء هذه الخسائر؟!
علينا الاستفادة من التجارة الإلكترونية، والاستفادة من تجارة التجزئة، والاستفادة من الأراضي الزراعية والمساحات غير المستغلة في الصحراء والنجد والأراضي الصالحة للزراعة، والاستفادة من التجربة الصينية وغيرها في هذا المجال، علينا الاستفادة من مياه البحار ومن الرطوبة والأمطار في الزراعة وحرارة الشمس لتوليد الكهرباء، علينا وعلينا، هناك الكثير يحتاج لإعادة النظر فيها بعد أن ينجلي هذا الوباء العالمي، وتستقيم الأوضاع بشكل عام، ونعرف ما لنا وما علينا فعله في قادم الأيام.
ملايين توافرت من أسعار الوقود، وملايين أخرى من الضرائب، وأخرى من حركة الطيران والعبور، وأخرى من فواتير الكهرباء والماء والهاتف ـ التي قلت بعد التخصيص ـ فليس كل تخصيص ناجح، وليس كل قطاع يحتاج لتخصيص، خصوصا المربح منه والذي يمكن أن يوظف عشرات من المواطنين، ولا ننسى دخل البلديات والجمارك والصحة والمداخيل الأخرى المتعددة. ولماذا لا تخصص الشركات غير المربحة لتعديل أوضاعها؟
إنجازات عظيمة تحققت في العهد السابق، وأشياء كثيرة حدثت ونقلت الوطن لمستوى رفيع في كثير من المجالات، ومع ذلك تظل هناك بعض الأخطاء، أو التلاعب أو الاستغلال، ولكن جائحة “كورونا” كشفت عن الكثير من هذه الأمور ليس في السلطنة فقط، ولكن في معظم دول العالم.
ومع ذلك سيبقى المواطن هو أساس التنمية، وهو محل اهتمام جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم (حفظه الله ورعاه)، الذي يتابع هموم المواطن، ويعمل على رفاهيته وتوفير المعيشة له دون ضرر أو ضرار، وكلنا يتابع عن كثب الوضع العالمي لـ”كورونا” والأزمة المالية وهبوط أسعار النفط، التي أثرت على المواطن البسيط قبل الغني، الذي لا يستطيع توفير مستلزمات معيشته لكافة أسرته، وفي ظل هذه الظروف الصعبة، فما بالك بالمتقاعد والمتقاعدين الذين لا يتلقون 1200 ريال أو أقل من ذلك توزع على الكهرباء والماء والدراسة والمواد الاستهلاكية والغذائية للبيت ومصاريف ضرورية أخرى لا تعد ولا تحصى، والبعض لديه في البيت خدامة وأقساط بيت وسيارة وأفراد باحثون عن عمل، وليس له دخل آخر سواء راتبه البسيط المحدود الذي لم يتجاوز خلال 30 عاما حوالي 1400 ريال أو أكثر قليلا أو أقل في بعض الجهات الحكومية، مصاريف العلاج وغيرها الكثير والكثير، فالوطن في حاجة لاستيعاب كل ذلك في المرحلة القادمة من نهضة عمان الثانية المتجددة.
علينا فتح التقاعد الاختياري لمن يرغب وبشروط مع إعادة النظر في كل الأمور الأخرى السالفة الذكر. فجزء من المشكلة نعرفها والحلول في أيادينا، إذا وضعنا الحصان قبل العربة واخترنا الطريق الصحيح والرجل المناسب في المكان المناسب، وأن نكون منصفين في الترقيات والاختيارات وغيرها، المرحلة القادمة تختلف كليا عن الماضي في كل شيء، ويمكن استمرار الأزمات المالية والنفطية وغيرها، ولن يعبر منها سوى الناجحين في اقتصادهم، والمحافظين على ثرواتهم وزراعتهم وأمنهم الغذائي المبدعين في إنتاجهم واستغلال ثرواتهم المائية وغيرها.
دروس وعبر من كل أزمة، فمثلما واجهنا هذه الجائحة الفيروسية كفريق واحد والتزمنا بقرارات اللجنة العليا ووزارة الصحة وغيرها من الجهات، فيمكننا كأثرياء الوطن ورجال أعمال وشركات ومقتدرين الوقوف مع الحكومة في كل هذه الأزمات، حتى تنفرج، لأن ما نحتاجه اليوم يستدعي تبني خيارات عقلانية وأفعال مسؤولة .. فالعلاج ليس معجزة ولا مستحيلا، العلاج يتطلب التعريب أسوة بالدول المتقدمة في بعض الأمور والإخلاص والوفاء والالتزام، والإسراع في تطبيق الحوكمة التي أصبحت ضرورة حتمية لهذه المرحلة.
فتاريخ السلطنة يشهد لها ولقيادتها في مواقفها وقراراتها في كل الأزمات والقضايا السابقة والحالية، ونؤمن بأن هذه القيادة الحكيمة لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ أيده الله ـ قادرة على تأمين العيش الكريم للمواطن والمقيم، وأن اللجنة العليا المتابعة لجائحة كورونا برئاسة معالي السيد وزير الداخلية ستنجح في عملها بإذن الله تعالى، وتنحسر هذه الأزمة وغيرها من الأزمات وتتلاشى، ونعيد ترتيب البيت من الداخل في كافة القطاعات والمجالات.. والله من وراء القصد.
المقال من صحيفة الوظن